اهتمت القوى الدولية بصك مصطلحات ومفاهيم سياسية براقه مثل «الشرق الأوسط الجديد» و«الربيع العربي» و«العولمة» و«حقوق الإنسان والأقليات» و«الفوضى الخلاقة» وغيرها من المفاهيم. وسعت لتسويقيها سياسياً واجتماعياً عبر وسائل إعلامها الكونية ووسائل إعلامية إقليمية تقاسمها المصالح ذاتها، بهدف تحقيق الرواج والانتشار والتبني من شرائح اجتماعية في العالم العربي، وتتكامل هذه المفاهيم جميعها مع بعضها البعض كآليات سياسية لتحقيق مصالح مرحلية لهذه القوى وترسيخ هيمنتها ذلك لأنها تحوي في باطنها أهدافاً عكس ما يبدو في ظاهرها، إذ تستهدف النيل من استقرار الدول الأخرى وسيادتها الوطنية بل وإثارة النعرات الطائفية وإشعال الحروب الأهلية توطئة لإضعافها وتقسيمها وتحويلها في النهاية إلى دول فاشلة وفق المفهوم السياسي الغربي أيضاً وهو ما يكشف الفجوة ما بين الشعارات البراقة والأهداف الخفية في سياسات القوى الكبرى وفق ثنائية الحقيقة والقناع الاستعمارية.

إن الراصد لهذه المفاهيم وما أفضت إليه من نتائج «كارثية» يدرك أن هناك رابطاً كبيراً بينها جميعاً، فمفهوم الشرق الأوسط الجديد ومفهوم الفوضى الخلاقة ومفهوم الربيع العربي مثلاً.. كلها مصطلحات تم إنتاجها وصياغتها وفق الرؤية الغربية وتصديرها عالمياً للسياقات التي خلقت من أجلها، لتحقيق المصالح الغربية أيضاً، فحين ظهر مفهوم الشرق الأوسط في عام 1902 عندما أطلقه الضابط البحري الأمريكي «ألفريد ماهان» على المنطقة العربية كان غرضه إعادة صياغة الوطن العربي بشكل يفقد الإقليم كل عوامل الوحدة السياسية والاجتماعية ويطمس هويته العربية ويفقده ملامح الجغرافيا المميزة له والتي استقر عليها منذ آلاف السنين وأضحى هذا المفهوم من المصطلحات الشائعة في الأدبيات والخرائط العالمية نتيجة تبني الفكر الاستعماري له.

وأعادت «كونداليزا رايس» وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس بوش الابن تدشين المصطلح ذاته في إطار خطه أمريكية جديدة للشرق الأوسط، بشكل يستهدف تجاوز النظام العربي بكل حقائقه والدخول بقوة في ترتيبات إقليمية جديدة وإعادة هيكله للنظام الإقليمي والدولي، بما يعزز المصالح الأمريكية، ويزيد من دورها ودور وكلائها في صناعة سياسات المنطقة، وهوما أدى لتصارع القوى الإقليمية وزيادة أطماعها في بقية دول الإقليم الأقل قوة. وبالتوازي يتم العمل على تفتيت النظام العربي عبر تهميشه وطمس هويته العربية وتقسيم دوله والتخطيط للمزيد من التفتيت والتهميش، وقد أفضي في النهاية إلى انهيار قوة إقليمية مركزية في العالم العربي هي الدولة العراقية، وما تبع ذلك من حرب أهلية، وتقسيم واحتلال جماعات إرهابية، لكثير من أراضيها والسيطرة على جزء من ثرواتها النفطية، إلى أن تمت المواجهة الشاملة مع هذه الجماعات والقضاء على نفوذها عبر تحالف دولي لكن لم يعد العراق قوة إقليمية مثلما كان عليه.

لقد اكتشف العالم العربي أنه مسلسل درامي من النوع التراجيدي متعدد الحلقات لكن البطل واحد ولا هم له سوى مصالحه حتى وإن كانت على أشلاء الدول وانهيار الأمم ومجاعة البشر والتدخل في شؤون الآخرين والضغط عليهم مرة بالترهيب وأخرى بالترغيب القائمة على نظرية العصا والجزرة الاستعمارية أيضاً. ولكن السؤال هل استمرت السياسة نفسها في عهد الرئيس أوباما أم برزت اختلافات ما بين الحقيقة والقناع. هذا ما تتطرق له هذه المقالة في جزئها الثاني.. وللحديث بقية.

* أستاذ الإعلام وعلوم الاتصال