نواصل في الجزء الثالث من المقال حديثنا عن تكريم المناضلة الجزائرية جميلة بوحريد في مصر. تؤكد بوحريد أنها لن تنسى رفقاء نضالها الذين ماتوا، أمثال: القائد الكبير محمد بن مهيدي، ورفيقتها حسنية التي ماتت وهي تطلب أن أزورها، بباقة ورد تحمل علم الجزائر.

وقد ألهمت الشعراء العرب، الذين كتبوا وألفوا أكثر من 70 قصيدة في حقها. ومن بين هؤلاء الشعراء الشاعر والمسرحي الراحل نجيب سرور الذي كتب عنها قصيدة بعنوان «الجمعة الحزينة»، وهو اليوم الذى كان يوافق إعدامها، قال فيها واصفاً انتظارها وانتظار الجميع تنفيذ الحكم القاسى «يا أسطورة هذا الجيل / يا جان دارك / أعلم أن الموت مخيف».

وأطلق نزار قبانى قصيدته فيها «الاسم: جميلة بوحيرد.. رقم الزنزانة تسعونا / فى السجن الحربى بوهران / والعمر اثنان وعشرونا / عيناى كقنديلى معبد / والشعر العربى الأسود / كالصيف كشلال الأحزا / إبريق للماء / وسجان / ويد تنضم على القرآن».

وألف عبد الرحمن الشرقاوى مسرحيته «جميلة» التى اعتمد عليها المخرج الكبير يوسف شاهين فى تنفيذ فيلمه الشهير «جميلة».

ولم يتوقف الأمر عند الشعراء العرب، فقد أثارت بشاعة ممارسات المستعمر الفرنسي ضد الشعب الجزائري - صاحب ثورة المليون شهيد وأكثر - بوجه عام، وخصوصاً بعد سجن جميلة، والإعلان عن موعد تنفيذ حكم الإعدام بحقها في 7 مارس 1958، الضمير العالمي، الذي أدانته العديد من الدول، لانتهاكها حقوق الإنسان، وإصدار حكم الإعدام بحق المناضلة الجزائرية بوحريد التي تطالب بحرية واستقلال بلدها من المستعمر الفرنسي.

وتلقت لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة - آنذاك- ملايين البرقيات من كافة أنحاء العالم، التي تستنكر ما تقوم به الحكومة الفرنسية تجاهها. وترتب على الزخم العربي والدولي الذي تبنى قضية بوحريد إلغاء حكم الإعدام بحقها، وتعديله إلى السجن مدى الحياة. ولكن سرعان ما جاء الاستقلال عام 1962 وتحررت جميلة مع تحرر الجزائر الشقيقة.

ان بوحريد إنسانة عادية مثل أي امرأة عربية، لم تفعل غير واجبها تجاه بلدها، وأنها ترفض الإرهاب والظلم والاستعمار، وتعشق الحرية، وتتمنى أن تموت في سبيل الحرية. وتؤكد أن كل مصرية وعربية صورة من جميلة، فمن تشعر بظلم الاستعمار، سوف تكون جميلة وترفضه وتتصدى له. وتذكر بوحريد أنها كعربية لا تعرف الخوف لغير الله، وتموت على الحرية، ومن أجل الدفاع عن الكرامة والاستقلال الوطني.

لم تغفل بوحريد التي تبلغ من العمر 80 عاماً، أن تحيي مصر في حربها ضد الإرهاب، ولبنان وفلسطين والجزائر وتونس وكل الأمة العربية.

وتجدد زيارتها وتكريمها في مصر ذكريات إحتضان مصر لحركات التحرر العربية والأفريقية، فعلى سبيل المثال، استضافت مصر الثورة الجزائرية بكل رموزها بزعامة أحمد بن بيلا ورفاق كفاحه الطويل، من أجل الكرامة والنضال والاستقلال العربي. ولم ينسَ الشعب المصري وقوف الشعب الجزائري مع مصر وجيشها عام 1973 لتحرير سيناء.

ما أحوج العرب اليوم إلى الوحدة من أجل الاستقرار وتجنب التجزئة وضياع الدول، فهل تكون زيارة المناضلة الجزائرية العروبية العالمية جميلة بوحريد بادرة لإعادة اللحمة للشعوب العربية، كما كانت في الماضي؟