كانت مملكة البحرين سباقة دائماً إلى الحث على مبادئ التسامح والتعايش والسلام، لذلك جاءت في أوائل صفوف المحتفلين باليوم العالمي للتسامح، الذي يوافق 16 نوفمبر من كل عام، والذي اعتمدته الأمم المتحدة بمبادرة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «UNESCO» في 16 نوفمبر 1996 في عيدهما الخمسين.

وذلك يأتي من إيمان حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، بالتسامح الأمر الذي انعكس إيجاباً بجعل مملكة البحرين بوتقة للإشعاع الحضاري في العالم الذي يشهد بصيت كرسي جلالته في جامعة لاسبينزا روما لتدريس الحوار والسلام والتفاهم بين الأديان.

ويعد موضوع التسامح ركناً أساسياً في تضامن المجتمع البحريني فهو يهدف إلى إزالة بعض ما اعترى هذا الجانب من سوء فهم وسوء إدراك، ناهيك عن استغلال قوى أخرى هذه الظروف لممارسة حالة من الاستثمار في الخوف والتعصب والتمييز من جهة والتلاعب بالحقوق وبالحريات من جهة أخرى، وخاصةً بعدما شهدت المجتمعات العربية حالة مقلقة متمثلة في محاولة الأطماع الخارجية زعزعة الأمن والاستقرار على أراضيها. وبالطبع فإن مملكة البحرين لا تعتبر بعيدة عن تلك الأطماع لزهائها الزاخر باعتبارها درة الخليج العربي.

إن التسامح – في عمقه – لا يعني التساهل أو عدم الاكتراث، ولا يعنى بقبول الآخر فحسب، بل هو احترام وتقدير للتنوع الغني في ثقافات هذا العالم وأشكال التعبير وأنماط الحياة التي يعتمدها الإنسان، فهو ينطوي على الإيمان باللحمة الوطنية والانتماء والمواطنة. فالتسامح يعترف بحقوق الإنسان العالمية وبالحريات الأساسية للآخرين. وبما أن الناس متنوعون بطبيعتهم، فإن التسامح وحده قادر على ضمان بقاء المجتمعات المختلطة في كل منطقة من العالم... فالتسامح كمفهوم أخلاقي اجتماعي دعا إليه كافة الرسل والأنبياء لما له من دور وأهمية كبرى في تحقيق وحدة، وتضامن وتماسك المجتمعات، والقضاء على الخلافات والصراعات بين الأفراد والجماعات باعتباره ركيزة أساسية لحقوق الإنسان، والديمقراطية، والعدل، والحريات الإنسانية العامة.

كلنا لآدم وآدم من تراب مهما اختلفت ألواننا.. وأجناسنا وآراؤنا وعقائدنا وتوجهاتها.. كلنا لدينا مشاعر ولدينا كبرياء.. وأيضاً هناك الجرح الذي لا يغتفر أبداً.. ولكن.. توقفوا عن تلك المشاعر السلبية ذلك أن الحفاظ على غلاف منظومة المجتمع البحريني من أي اختراق هو أسمى هدف نسعى إليه في وقتنا الحالي.. فهو أفضل خيار للعيش بكرامة بعيداً عن تسلط الأعداء المعتدين.

صحيح أن «أشواك الكراهية» المزروعة في الإنسان منذ ولادته ضد أخيه الإنسان، هي موروث متوحش، قد يفزع لإصابة الحوت، ولا يستأنس لمن يلتهمه الحوت، أو تقذفه أمواج البحر، أو تقبره رمال الصحاري تيهاً وضياعاً، لكن يبقى التسامح هو التفاعل الإيجابي الذي يحمي اللحمة الوطنية، وهو النجاح وهو الفخر، وهو الجسر المتين الممهد لبناء تضامن الحياة الأسرة الإنسانية على اختلاف مشاربها وثقافاتها، استناداً لقوله تعالى في كتابه الكريم، بسم الله الرحمن الرحيم «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرةٍ من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون». صدق الله العظيم.

* همسة:

أود فعلاً أن أشيد بهذا المحفل بمبادرة مجلس النواب لتنظيم ندوة حول التسامح والتعايش، والتي ستسلط الضوء حول الدبلوماسية البرلمانية والتسامح، والذي يعد بحق موضوع الساعة، وأبرز الأجندة الدولية المطروحة على الطاولة المستديرة التي تقوم 193 دولة في مناقشتها بشكل شبه يومي لترسيخ المواطنة والانتماء لتكون صفعة في وجه الإرهاب الذي امتد منذ 1793 الذي يستمر بتقنيات فائقة الخبث وبأشكال متعددة سعياً لتشويه السلام والتسامح.

كما أشيد بمبادرة معهد البحرين للتنمية السياسية لاختيار عنوان لملتقاه «البحرين.. انتماء ومواطنة» والذي يأتي ليكون منبراً فاعلاً في المساهمة في تشكيل المدركات السياسية للمواطنين من خلال ربط موضوعي الولاء والانتماء الوطني بمفهوم الدولة، مع تأكيد ضرورة الحفاظ على الثوابت الوطنية وترسيخ قيم المواطنة والتمسك بالهوية بما تمثله من قيم وعادات وتقاليد وموروثات وما تجسده في الحاضر من رؤية نحو بناء الحاضر والتطلع إلى المستقبل.

اختتم، بذكر مقولة سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة ممثل جلالة الملك للأعمال الخيرية وشؤون الشباب، مستشار الأمن الوطني، رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة، التي تعتبر أيقونة التسامح والانتماء «إنني أفخر بكوني مسلماً وعربياً، وإنساناً، ومواطناً في هذا العالم.. عالم يعتبر فيه الحب والاحترام فطرة، وهو عالم لا مكان فيه للكراهية والعنف.. عالم من السلام».