عادة ما تكون الملكية المشتركة موضع تنازع بين الأطراف المالكة، إذ يتم تقاذف المسؤولية وتبادل اللوم في حالة حدوث أية مشكلة أو تفاقم أي وضع، وهذا ما ينطبق تماماً على قضية تغير المناخ. فقد برزت في البداية فئة قامت بالتشكيك فيما يقوله العلماء من حقائق وفيما يقدمونه من توقعات نراها اليوم جلية كما توقعوا، ثم تحملت الدول الصناعية مسؤولية خفض الانبعاثات كونها المسؤولة تاريخياً عنها، وعادت لتشترط تحمل الدول النامية نصيبها من العبء. وما بين شد وجذب، فقد استغرق الأمر ما يفوق العشرين سنة حتى تتفق دول العالم جميعها على تحمل المسؤولية، وإن كانت متفاوتة، لتعترف بضرورة اتخاذ إجراءات جادة إزاء قضية تغير المناخ وذلك في عام 2015.

فقد اجتمعت 195 دولة في باريس في 2015 واتفقت على الحد من ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية بمقدار 2 درجة مئوية مقارنة بما قبل الفترة الصناعية، مع وضع هدف تحقيق 1.5 درجة نصب أعينها، وذلك بنهاية هذا القرن في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP 21. كما وقدمت هذه الدول مساهماتها الوطنية المزمعة، والتي صارت فيما بعد المحددة، لخفض انبعاثاتها من غازات الدفيئة. ومنذ ذلك الحين، اجتمعت دول العالم أربع مرات وكان آخرها في مدريد في ديسمبر 2019 وذلك في مؤتمرCOP 25، فهل تمضي الدول قدماً نحو تحقيق الهدف الذي وضعته؟ أم أن مسيرتها تتجه إلى الوراء؟

يرى المهتمون بقضية تغير المناخ بأن مخرجات هذا المؤتمر لم تكن في مستوى الطموح المرجو، إذ أن الدول ليست مُلزَمة بتحديث مساهماتها في عام 2020، كما أن اتخاذ خطوات جادة وواضحة حيال المساهمات الوطنية لن يكون مُلزِماً قبل 2025. وتؤكد على ذلك إحدى الخبيرات في القانون البيئي، إذ تُشدد على أن اتفاق باريس وما تبعه من اجتماعات ونصوص لا يُلزِم أغلب دول العالم بمراجعة وتحديث ورفع سقف التزاماتها في عام 2020 مقارنة بالمساهمات التي قدمتها في 2015. وتُنوه أيضاً إلى أن الدافع وراء تحقيق الدول لمزيد من الخفض من انبعاثات غازات الدفيئة هو الحقائق العلمية التي لا تدع مجالاً للشك، وليس الالتزام ببنود اتفاق باريس. وبحسب خطاب الناشطة البيئية السويدية Greta Thunberg في هذا المؤتمر، فإنه وبدون ضغط الجمهور، فإن غالبية قادة الدول سيتنصلون من مسؤولية اتخاذ إجراءات جادة وحازمة لمواجهة تغير المناخ. ويأتي ذلك في ظل إمكانية التراجع والانسحاب من الاتفاق كما فعلت الولايات المتحدة الأميركية، والتي يتوقع خروجها النهائي من اتفاق باريس قبل نهاية 2020، مع تزايد المخاوف من أن تلحقها دول أخرى تُلمح إلى فعل الأمر ذاته. ويُضاف إلى ذلك بأنه ليست جميع المساهمات المحددة للدول، والتي تم تقديمها في 2015، تتضمن أهدافاً لخفض انبعاثات غازات الدفيئة، كما وأن العديد من هذه الدول قد اشترطت توفر التمويل والتقنية اللازمة لخفض الانبعاثات.

وهذا ما يعني أنه إذا واصلت الانبعاثات معدل تزايدها الحالي، فإنه لم يتبقَ سوى عشر سنوات حتى يصل الارتفاع في متوسط درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية، كما يتوقع Glen Peters مدير البحوث بمركز بحوث المناخ الدولية في النرويج. وإن صح ذلك، فهذا يعني أن معدل ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية الذي تم استهدافه بحلول عام 2100، سيتم تجاوزه قبل وصولنا إلى منتصف القرن! وبالتالي، فإنه وبحسب التقارير والتوقعات ذات الصلة، فإن البيئة ستصل إلى نقطة حاسمة ألا وهي نقطة اللاعودة، والتي سيصعب أو يستحيل بعد تخطيها إصلاح الأضرار الحاصلة أو إرجاع النظم الإيكولوجية المفقودة. ولتحقيق هدف اتفاق باريس بالحد من ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية بمقدار 1.5 درجة مئوية بنهاية هذا القرن، فإنه ينبغي أن تأخذ الانبعاثات على مستوى العالم منحنى تنازلياً بدءاً من عام 2020 لتصل إلى الصفر في عام 2050 في حالة عدم انتشار استخدام تقنيات الانبعاثات السالبة، وفق تقرير توقعات الطاقة العالمية لعام 2019.

تجدر الإشارة هنا إلى أن إحباط المهتمين بتغير المناخ إزاء ما نتج عن المؤتمر الأخير لا يعني بالضرورة أن الدول لا تتخذ أية إجراءات حيال هذه القضية، وإنما يعني أن رغبتهم في اتفاق الدول على اتخاذ تدابير طارئة وملزمة لم يحدث. إذ بدأت العديد من الدول سواء كانت الصناعية أو النامية في تبني سياسات تتعلق بكفاءة الطاقة والطاقة المتجددة وذلك منذ سنوات، حتى وصل بعضها اليوم إلى مراحل متقدمة في التنفيذ. ولكن يبقى السؤال: هل بدأت دول العالم فعلاً في خفض انبعاثاتها، أم أنها ما زالت في تزايد؟ وما هي الإجراءات المختلفة التي تبنتها لمواجهة تغير المناخ؟ هذا هو ما سنلقي عليه الضوء في المقال القادم.

* فائدة:

صحيحٌ أن مسؤولية خفض انبعاثات غازات الدفيئة تقع على عاتق الدول، ولكن الحكومات لا تستطيع فعل ذلك بمنأى عن المجتمع، فالمسؤولية مشتركة بين دول العالم، ومشتركة أيضاً بين الدولة والمجتمع، وإن كان ذلك بتفاوت.

* أستاذ إدارة موارد الطاقة والبيئة المساعد – جامعة الخليج العربي