كنت قد أعددت لكتابة مقال حول أبرز التقنيات التي من شأنها خفض انبعاث غازات الدفيئة، وبخاصة تلك المتعلقة بتقنيات الانبعاثات السالبة وتعزيز مصارف الكربون، والتي باتت دول المجلس توليها المزيد من الاهتمام. ولكن، وفي ضوء الوباء الذي تحول إلى جائحة، صار لزاماً مواكبة هذا الحدث، لا سيما وأنه أضحى يمس أدق تفاصيل حياتنا اليومية.

لست اليوم بصدد مناقشة من المسؤول عن هذه الجائحة، ولا فيما إذا كان هذا الفيروس طبيعياً أو مصنعاً في المختبرات العلمية، ولكني بصدد تبيان أثر كل ما حدث على تغير المناخ.

أشارت مجموعة من الدراسات والتقارير إلى ضرورة أن تبلغ انبعاثات غازات الدفيئة ذروتها في عام 2019، الأمر الذي يعني أن تأخذ هذه الانبعاثات منحنى تنازلياً بدءاً من عام 2020. وكما تُشير إحدى الدراسات الحديثة المنشورة من قبل وكالة الطاقة الدولية، فإن إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة في العالم قد استقر في عام 2019، وذلك بعد أن اتسم بالارتفاع الملحوظ بشكل عام منذ عام 2000. أما على مستوى الدول، فقد أخذت الانبعاثات طريقها إلى الانخفاض في عام 2019 في عدد من الدول كاليابان، ودول الاتحاد الأوروبي، والمملكة العربية السعودية. ولعل الخفض المأمول في الانبعاثات على مستوى العالم قد بدأ في التحقق هذا العام بسبب فيروس كورونا (كوفيد19).

وتتوقع وكالة الطاقة الدولية انخفاض الطلب العالمي على النفط في هذا العام بسبب الجائحة ليصل إلى أدنى مستوى له منذ عام 2009، وذلك بسبب انخفاض الطلب على الطاقة في الصين، والقيود المفروضة على حركة النقل والتجارة الدولية. إذ تشير التوقعات إلى انخفاض الطلب على النفط تحديداً بمقدار 95 ألف برميل في اليوم في عام 2020 مقارنة بعام 2019. وترى الوكالة أن عودة الطلب على النفط إلى سابق عهده موقوف على مدى سرعة الحكومات في احتواء المرض وجدوى الإجراءات التي تتخذها.

ويؤدي الانخفاض في استهلاك الوقود الأحفوري إلى انخفاض انبعاث غازات الدفيئة وملوثات الهواء. إذ بينت العديد من المرئيات الفضائية تراجع تركيز ثاني أكسيد النيتروجين مثلاً في عدد من الدول كالصين وإيطاليا وبريطانيا وذلك لانخفاض أو توقف استخدام المركبات والشاحنات والعمل في المصانع. ففي الصين، انخفض استهلاك الطاقة بنحو 25% وذلك في فترة أسبوعين فقط، الأمر الذي ينعكس على إجمالي انبعاثاتها من غازات الدفيئة والتي من المتوقع أن تنخفض بنحو 1%، وذلك بعد نمو تواصل في عام 2019. ويبدو أن الأمر ذاته يحدث في نيويورك، إذ انخفضت حركة المرور بنحو 35% في منتصف مارس مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، مما انعكس على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي انخفضت بنحو 5-10%. ولعل الأمر نفسه ينطبق على دول المجلس، لا سيما في ظل اتباع سياسة العمل والدراسة من المنزل، وحظر التجول الجزئي في بعض الدول، وهذا ما ينعكس على استهلاك الطاقة وما يتبعه من انبعاثات.

وفي الختام، يبدو أن الهدف المأمول والمتعلق بخفض انبعاث غازات الدفيئة على مستوى العالم في عام 2020 قد يتحقق، ولكنه قطعاً لم يكن بسبب استخدام مصادر الطاقة المتجددة، ولا بسبب تقنيات الانبعاثات السالبة، وإنما بسبب فيروس كورونا (كوفيد19)! والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل سيستمر هذا الانخفاض لتنخفض حدة تغير المناخ وتتحسن جودة الهواء؟ أم ستعود الأمور إلى سابق عهدها بعد مرور هذه الجائحة؟

* فائدة:

قال تعالى «وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم». حفظ الله الجميع، وأدام علينا نعمه.

* أستاذ سياسات الطاقة وتغير المناخ المساعد – جامعة الخليج العربي