ينشط الإعلام الروسي هذه الأيام لتوضيح وجهة نظر روسيا حيال أزمة أوكرانيا وذلك في مواجهة الإعلام الغربي الذي ما انفك يصور روسيا وتحركاتها العسكرية بالعدائية تجاه دولة مستقلة ذات سيادة لها مطلق الحرية في تحديد سياساتها سواء الداخلية أو الخارجية. ونشرت محطة «روسيا اليوم» مؤخراً مقاطع مصورة قديمة وحديثة للرئيس الروسي «بوتين» تبين الموقف الروسي. المقطع القديم مر عليه 15 عاماً، ويتحدث فيه الرئيس الروسي عن خطورة تحول العالم إلى أحادي القطب بحيث تسيطر عليه دولة واحدة تتحكم في القرارات العالمية المصيرية وتفرض هيمنتها على دول الكوكب. ويذكر أن توسع دول الناتو في اتجاه حدود روسيا يتناقض مع الوعود التي حصلت عليها روسيا من قبل الغرب بعد إلغاء معاهدة وارسو وتفكك الاتحاد السوفيتي. والتوسع هنا ليس بالضرورة أن يكون عسكرياً وانما قد يكون اقتصادياً أو سياسياً أو حتى فكرياً من خلال جذب دول معاهدة وارسو أو ما تعرف بدول أوروبا الشرقية إلى الارتباط اقتصادياً بأوروبا الغربية وحثها على التخلي عن تحالفها مع روسيا سياسياً وتسويق قيم الفكر الغربي. ولعل تلك هي أبرز الأسباب التي دفعت روسيا إلى دخول شبه جزيرة القرم عام 2014 واعتبارها أرضاً روسية رسمياً عام 2021.

أما المقطع الحديث فيرد فيه الرئيس الروسي على مراسلة سكاي نيوز البريطانية في مؤتمر صحفي عقد قبل شهر تقريباً وأكد أن أمن روسيا في خطر طالما وصلت الصواريخ الأمريكية الهجومية إلى أوكرانيا وتساءل عن وعود الناتو عام ٩٠ لروسيا التي أكدت أن لا يكون هناك تحرك باتجاه الشرق حتى لو بمقدار إنش واحد «طبعاً، ينفي حلف الناتو هذه الوعود و لا يتطرق إليها». وبعدها طالب بوتين الغرب بتقديم الضمانات الفورية بأن لا تشكل الصواريخ الأمريكية في أوكرانيا تهديداً لأمن روسيا. وللعلم فقد خصصت الإدارة الأمريكية الحالية ٤٥٠ مليون دولار كمساعدات أمنية -فعلياً عسكرية- لأوكرانيا وأرسلت في أكتوبر ٢٠٢١ صواريخ مضادة للدبابات عددها ٣٠ صاروخاً. والآن تتواجد قوات عسكرية روسية قوامها ١٢٠ ألف جندي على حدود أوكرانيا سواء من الشمال أو الوسط أو الجنوب.

والروس الذين فضلوا البقاء في الظل لسنوات يعلمون الذي ينتظرهم في حال قرروا دخول أوكرانيا لكن عادت الثقة لأنفسهم بعد نجاح عملية «احتوائهم» لشبه جزيرة القرم في بضعة أيام ونجاح تدخلهم العسكري في سوريا مما يجعل الخيار العسكري لإبعاد الأخطار عنهم وفرض أنفسهم في منطقتهم حاضراً دائماً مهما كانت التبعات. كما أن الرغبة الروسية في استمرار لعب دور الند الأول للولايات المتحدة مازالت موجودة، يشجعها على ذلك التحسينات الكبيرة التي طرأت على الآلة العسكرية الروسية بسبب الإنفاق على التطوير الذي يأتي في المرتبة الثانية مباشرة بعد الأمريكان ويدعمها وجود اقتصاد جيد نسبياً بسبب النفط والغاز قادر على تغطية تكاليف أي حرب قادمة شرط أن تكون قصيرة.