مع دخول الحرب بين روسيا وأوكرانيا أسبوعها الرابع غداً وعدم وجود أفق بحل قريب لهذه الأزمة، تشتد الحاجة إلى أهمية صياغة موقف عربي ورؤية استراتيجية واضحة للتعامل مع هذه الأزمة التي تخيّم بتداعياتها وتأثيراتها على الأمن والاستقرار العربي من جوانب عديدة، أهمها الجانبان الاقتصادي والأمني. لكن الجانب الاقتصادي يعد الأكثر تأثيراً في هذه الآونة كون الاقتصادات العربية مازالت تعاني بشدّة من تأثيرات جائحة كورونا ولم تتعافَ منها بعد. وجاءت الأزمة الأوكرانية لتشكّل معاناةً وعبئاً جديداً على الدول العربية لتكون من أكثر المتضررين عالمياً من تداعياتها الاقتصادية، لاسيما فيما يتعلّق بأزمة الغذاء وعائدات السياحة والتقلّبات في قطاع الطاقة. فمن ناحية الأمن الغذائي تستورد الدول العربية وحدها 25% من إنتاج القمح العالمي. وتكمن الإشكالية هنا أن غالبية الواردات العربية من هذه السلعة الحيوية هي من الدولتين المتصارعتين روسيا المُصدّر الأول عالمياً للقمح، وأوكرانيا المُصدّر الرابع عالمياً؛ لذا فإن ارتفاع الأسعار المرجّح حال تعطّل الإمدادات جراء استمرار الحرب بينهما سيكون له آثار اقتصادية صعبة على المستوى العربي في الفترة القادمة. وقد جاء إعلان مصر أكثر دول العالم استيراداً للقمح الخميس الماضي عن حظر تصدير 5 سلع غذائية على رأسها القمح والدقيق كمؤشر على حالة القلق بشأن الإمدادات في الفترة المقبلة. وبالإضافة إلى مصر التي تستورد 13 مليون طن من القمح سنوياً، 70% منها من روسيا وأوكرانيا، يأتي المغرب الذي يعتمد على روسيا في توفير 10.5% من احتياجاته من القمح، ومن أوكرانيا 19.5%، بينما تستورد لبنان 60% من أوكرانيا، ويستورد السودان 46% من روسيا، واليمن 31% من روسيا و6.8% من أوكرانيا، بينما تحصل تونس على نصف وارداتها من القمح تقريباً من أوكرانيا. أما قطاع السياحة فمن المرجّح كذلك أن يكون لاستمرار هذه الحرب تداعيات سلبية على هذا القطاع وعلى الوضع الاقتصادي بصفة عامة بعدد من الدول العربية، مع الانخفاض المتوقّع لعائدات السياحة المنتظرة من جانب السياحة الروسية والأوكرانية لوجهاتها المفضلة لعدد من الدول العربية، وأبرزها تونس ومصر ودبي. ففي تونس تُمثل السياحة الروسية ثاني أكبر مصدر سياحي وقد توافد إليها 630 ألف سائح روسي عام 2019. كما استقبلت في العام ذاته 33 ألف سائح أوكراني، وكانت تخطط لاستعادة هذه المعدلات من السياح من البلدين مجدداً لإنعاش اقتصادها بعد عامين من الركود بسبب الجائحة. أما مصر فكانت تتوقع استقبال مليون سائح روسي خلال هذا العام 2022، فيما زار دبي 374 ألف سائح على الأقل من روسيا في عام 2021. ومن الناحية الأمنية أيضاً، هناك مخاوف من اتساع نطاق هذه الأزمة وأن تمتد المواجهة والصراع الشديد بين القطبين الروسي والأمريكي في الساحة الأوكرانية إلى نطاق أبعد، كأن يشمل ذلك في أسوأ الأحوال حروباً بالوكالة في منطقة الشرق الأوسط التي تشهد استقطاباً كبيراً بين المعسكرين وفي القلب منها المنطقة العربية.

وكل ما تقدم من تأثيرات سلبية للحرب يؤكد على أهمية وضرورة بلورة موقف عربي موحد للحد من تداعيات هذه الحرب على الدول العربية. وتعد القمة التي جمعت الرئيس المصري وخادم الحرمين الشريفين الأسبوع الماضي بالرياض خطوةً هامةً جداً على هذا الصعيد أظهرت استشعار أكبر دولتين عربيتين بخطورة تطوّرات الأوضاع الراهنة وتداعياتها على الأمن والاستقرار العربي وأهمية التنسيق وتوحيد الرؤى والمواقف العربية بشأنها، كما تلا هذه القمة الاجتماع الوزاري العربي بالقاهرة في نفس السياق، ومن الضروري أن يستمر هذا التنسيق العربي بتشكيل خلية أزمة ومجموعة اتصال عربية على مستوى عالٍ تكون في حال تواصل وتنسيق مستمر لمتابعة وإجراء المشاورات والاتصالات اللازمة حول هذه الأزمة العالمية بما يحفظ مصالح الدول العربية ويحدّ من تأثيرات وتداعيات هذه الأزمة عليها.