أميرة صليبيخ




وتيرة الحياة المتوترة المتصاعدة المتموجة والمتلاطمة، تركتنا على مفترق الطريق ما بين الحفاظ على ما تبقى لنا من عقل، أو أن نحمل الراية البيضاء ونستسلم للجنون! فمواكبة الحياة الحقيقية إلى جانب كل العوالم الافتراضية التي تلهو بنا، شكلت لنا عبئاً إضافياً على عقولنا وسبباً كافياً لأن نتحوّل إلى (نعام)، نحاول أن نطمس رؤوسنا في التراب بحثاً عن السكينة والسلام، مع الإبقاء -مضطرين- على أجسادنا كدليل على وجودنا المادي واستمراريتنا في الحياة. فالعالم المضطرب يجعل عقلك يضطرب أيضاً وأنت بحاجة لأن تهرب منه.


فمنذ اللحظة التي تفتح بها عينيك على صوت المنبه، يعلق صوته المزعج في رأسك ويظل صداه يقرعك ويشمت على حالك لتكرارك الأيام نفسها. فلا جديد سوى أنك تستيقظ لتعيش يومك ثم ترجع للنوم!

تُمسك الهاتف، فتلاحقك الأخبار من هنا وهناك فيزيد توترك ويغمرك القلق مما ينتظرك بعد أن تقوم من سريرك وتخرج للعالم. تذهب إلى العمل، تقضي فيه تقريباً ثلث ساعات يومك، تؤدي واجباتك وتمضي.. وما بين هاتفي النقطتين يحدث الكثير، تعود إلى الشارع بعد انتهاء دوامك. تعلق في الازدحام المروري، أصوات صرخات وأبواق سيارات، حرارة مرتفعة، أعصاب تالفة ودقائق لا نهائية تتطلب الصبر والاحتمال، وأنت قد أنفقت أغلبها هنا وهناك.

تُصاب بشدّ عضلي بعد محاولتك تجنّب حادث مروري لأن أحد ما قرر أن يسير فجأة ببطء في المسار الأيسر من الشارع. في هذه اللحظة تتلقى إشعارات متكررة لمسجات واتصالات تطلب منك شراء دواء، تسديد ثمن مخالفات، تذكرك باقتراب موعد تأمين السيارة، قائمة طويلة من مستلزمات المنزل، تذكير بدفع الإيجار، دفع مستحقات، دفع متأخرات، دفع الجمعية، دفع عمرك لهذا اليوم أيضاً. ثم تتذكر فجأة أن هناك مناسبات لهذا الشهر وعليك أن تشارك بمبلغ كبير فيها.. تبدأ في حساب ما تبقى من راتب فتكتشف بأنه انتهى منذ اللحظة التي دفعت فيها مستلزمات المنزل والأطفال والمدارس. الجو الحار في الخارج يذكرك بأنك متأزم ومخنوق.

تفتح الإذاعة حتى تلطّف الأجواء، فيصدح المذيع بأخبار حول انفجار وقع في بلدة ما راح ضحيتها المئات، تصادم قطاران وموت الآلاف، انتشار لفيروس معدٍ جديد يهدد حياة نصف سكان الأرض، ثم يتصل لك صاحبك معاتباً بأنك لم تعد لمهاتفته يوم أمس بالرغم من حاجته الماسة لك، فيلومك ويلوم سوء اختياره، ثم يغلق الخط في وجهك غاضباً!

والآن أيها الطبيب، هل تظن أننا نحن العالقون على سطح هذه الكرة الأرضية، نحتاج إلى علاج ما- لا سمح الله؟