(د ب أ)

مثلما هو الحال بالنسبة لأسطورة كرة القدم الإسباني الراحل ألفريدو دي ستيفانو ، لم يستفد حارس المرمى الأسطوري ليف ياشين من القدرات المالية الهائلة التي توفرها حقوق البث التلفزيوني للعبة كرة القدم منذ السبعينيات من القرن الماضي.

ولكن ياشين لا يزال حاضرا في ذاكرة التاريخ ولا تقتصر شهرته على الحدود الروسية وإنما اجتازتها إلى جميع أنحاء العالم وهو ما يؤكد مكانته الهائلة في تاريخ كرة القدم العالمية.

وبنى ياشين أسطورته من خلال حرمان اللعبة من جوهرها ومن أجمل لحظاتها حيث تصدى للعديد من الأهداف على مدار مسيرته الكروية فيما بنى معظم الأساطير شهرتهم من خلال تسجيل الأهداف أو صناعتها.

وخلال مسيرته الرائعة على مدار الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ، ارتقى ياشين بحراسة المرمى إلى مستويات جديدة حيث قاد دينامو موسكو ومنتخب الاتحاد السوفيتي السابق من موقعه في حراسة مرمى كل منهما.

وتوج ياشين بطلا أولمبيا وأوروبيا مع منتخب الاتحاد السوفيتي السابق كما توج مع دينامو موسكو بلقب الدوري السوفيتي خمس مرات إضافة لثلاثة ألقاب في بطولة كأس الاتحاد السوفيتي.

كما لا يزال ياشين هو حارس المرمى الوحيد الذي توج بجائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم.ففي عام 2000 ، وبعد عشر سنوات من وفاته ، أعلن الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) عن اختيار ياشين أفضل حارس مرمى في القرن العشرين.

وفي روسيا ، لا يزال ياشين أيقونة. وكان ياشين حصل في 1967 على وسام "لينين" أعلى وسام مدني في الاتحاد السوفيتي السابق.

ولم يتردد منظمو بطولة كأس العالم 2018 بروسيا في وضع صورة ياشين في وسط الملصق الرسمي للبطولة التي ستكون أول نسخة لكأس العالم للكبار تقام في بلاده.

وولد ياشين في أسرة متواضعة بالعاصمة الروسية موسكو في 22 تشرين أول/أكتوبر 1929 . وغادر ياشين موسكو خلال الحرب العالمية الثانية.وعندما عاد ياشين إلى العاصمة الروسية ، كان لا يزال صبيا ، وبدأ العمل في مصنع أسلحة. كما لعب كحارس مرمى في فريق المصنع وسرعان ما لفت أنظار مسؤولي نادي دينامو.

وفي 1949 ، التحق ياشين بقطاع الشباب في نادي دينامو موسكو الروسي.

ولكن كل شيء لم يكن بهذه السهولة. وعلى مدار سنوات قليلة ، عجز ياشين عن حجز مكانه في التشكيلة الأساسية للفريق.ولهذا ، لعب ياشين في فريق هوكي الجليد بالنادي وأصبح حارسا للفريق.

وفي 1953 ، أصبح ياشين أخيرا الحارس الأساسي لفريق دينامو موسكو الأول ولم يفرط في هذا المكان بعدها.

وقضى ياشين 21 عاما في نادي دينامو ، النادي الذي اعتبره بيته دائما.

وأمام استاد "موسكو" الذي أرسى فيه ياشين أسس حارس المرمى الحديث ، يوجد تمثال رائع للحارس السوفيتي الأسطوري وهو يطير محاولا التقاط الكرة.

وخاض ياشين 176 مباراة في الدوري السوفيتي و74 مباراة دولية مع المنتخب السوفيتي.وتختلف الاحصائيات قليلا طبقا لمصادرها ، ولكنها تتفق جميعا في أنه كان أول حارس سوفيتي يصل ل100 مباراة دون أن تستقبل شباكه أي هدف.

وعلى مدار مسيرته الكروية ، حافظ ياشين على نظافة شباكه في أكثر من 200 مباراة.وفيما حظي ياشين بأرقام مبهرة في مسيرته الكروية ، لم تكن هذه الأرقام هي من صنعت أسطورته.

وكان ياشين ، الذي اشتهر بلقب "بلاك سبايدر" أو "العنكبوت الأسود" بسبب ردائه الأسود ، لاعبا ثوريا.

وقال لاعب الوسط الروسي الدولي السابق فاليري كاربين ، الذي يعمل حاليا مديرا للمحتوى بقناة "ماتش" التلفزيونية ، : "الآن ، يمكنني مقارنته بحارس المرمى الألماني مانويل نيوير. إنه النموذج الأولي لحارس المستقبل".

وأضاف : "لا يتقدم للأمام بنفس قدر تقدم نيوير. ولكنه في الفترة التي لعب بها ، كان يتقدم خارج منطقة الجزاء ويستخدم قدميه أفضل من أي حراس آخرين لم يكن باستطاعتهم سوى التصدي للكرة. ولهذا ، أقول إنه على الرغم من كل الاختلافات بينهما ، كان ياشين مشابها لأسلوب لعب نيوير".

وفي حقبة شهدت ركل الحراس للكرة دون تمييز ، بدأ ياشين لعب الكرة من الخلف بهدف بناء الهجمة مبكرا.

وقال حارس المرمى الإسباني السابق خوسيه آنخل إريبار ، في تصريحات إلى صحيفة "آس" الإسبانية الرياضية ، : "كان ياشين سابقا لعصره".

وكان إريبار توج بلقب كأس الأمم الأوروبية (يورو 1964) من خلال فوزه مع المنتخب الإسباني على نظيره السوفيتي بقيادة ياشين في نهائي البطولة.

وقال إريبار : "انبهرت بإحدى حركات ياشين في يورو 1960 عندما تصدى للكرة بقبضة يده داخل منطقة الجزاء. استخدم بعض الأساليب التي لم تكن معروفة في ذلك الوقت... كان رائدا في أسلوب إرسال الكرة بيده من أعلى لأسفل وهو ما كان مختلفا عن أسلوبي. كان يعلم أهمية بدء الهجمة المرتدة السريعة بشكل جيد".

وبلغ طول قامة ياشين 89ر1 متر كما بلغ وزنه 82 كيلوجراما ليتمتع بالسمات البدنية التي أصبحت منذ ذلك الحين مؤشرا على صفات الحارس المثالي الذي يتمتع بطول القامة والقوة البدنية والرشاقة.

وخاض ياشين ثلاث نسخ في بطولات كأس العالم في 1958 و1962 و1966 وكانت أفضل نتيجة له والمنتخب السوفيتي في هذه النسخ هي احتلال المركز الرابع في 1966 بإنجلترا.

وفي آخر موسم له كلاعب محترف ، كان ياشين ضمن صفوف المنتخب السوفيتي في مونديال 1970 بالمكسيك ، ولكنه كان الحارس الثالث للفريق ولم يخض أي مباراة في البطولة. وكان أشبه بمدرب مساعد في ذلك الوقت.

واعتزل ياشين اللعب من خلال مباراة تكريم على استاد "لينين" وبحضور مجموعة من النجوم العالميين مثل بيليه وإيزيبيو وبوبي تشارلتون وفرانز بيكنباور.

وعقب اعتزاله ، تولى ياشين تدريب فرق الشباب بنادي دينامو موسكو كما أصبح أحد مسؤولي النادي ، ولكن حالته الصحية بدأت في ترك آثارها حيث كان ياشين مدخنا شرها منذ أن كان في فترة الصبا ولم يستطع الإقلاع عن هذه العادة التي أدت لوفاته مبكرا.

وفي عام 1982 ، أصيب ياشين بنزيف في المخ. وبعد بضع سنوات ، خضع لبتر أحد ساقيه. وتوفي ياشين في 1990 متأثرا بسرطان المعدة ، عن عمر يناهز 60 عاما. وكان ذلك عندما أصبح ياشين أسطورة.