أ ف ب


تكبدت فرنسا مؤخراً سلسلة من الخسائر العسكرية في الساحل الإفريقي، لكنّ باريس مهدّدة بهزيمة قد يكون وقعها "أقسى"، إذا خسرت معركة كسب العقول والقلوب التي تخوضها في هذه المنطقة الاستراتيجية، بحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.

وأشار التقرير إلى أنه بعد 8 سنوات من نشرها قوات لمكافحة الجماعات المسلحة في مالي، تصارع فرنسا لفرض نفسها في "حرب معلومات" هدفها كسب دعم الرأي العام المحلّي.

وقالت وزيرة الدفاع الفرنسية، فلورنس بارلي، في خطاب أمام القوات الخاصة، أخيراً، إنّ "الحرب ضدّ الإرهاب تقتضي (...) حماية نفسك أثناء حروب الاتصالات والمعلومات المضلّلة التي تستهدف السكّان المحليين، والتي يمكن أن تغيّر الانطباعات".


أحداث ميدانية

ولفت التقرير إلى أن جزءاً من المشكلة برز حديثاً خلال أحداث ميدانية، وسلّط الضوء على قوة "برخان" الفرنسية المكوّنة من 5100 عنصر عسكري في يناير، عقب غارة جوية في منطقة نائية، ويصعب الوصول إليها في شمال مالي، وبعد أكثر من شهر على الغارة، لا تزال الحقائق غامضة.

وقال سكان محليون لصحافيين، إن ما يصل إلى 20 شخصاً قتلوا أثناء حضورهم حفل زواج في قرية بونتي، فيما يصرّ الجيش الفرنسي على أنه استهدف تجمّعاً لجماعات مسلحة.

"انتصار دعائي" للجماعات المسلحة

قال الباحث في "مركز صوفان" كولين كلارك لـ"فرانس برس"، إنّه "بمجرد أنّ ينخرط الجيش الفرنسي في الردّ على اتّهامات بقتل مدنيين، وإحداث أضرار جانبية، فسوف يُعتبر ذلك انتصاراً دعائياً للجماعات المسلحة، سواء اتّضح أنّ تلك الادّعاءات دقيقة أم لا".

وإضافة إلى الرسائل المعادية لفرنسا التي تنشرها الجماعات المسلحة في منطقة مكوّنة من مستعمرات سابقة لها، تعتقد باريس أنّ موسكو مسؤولة أيضاً عن حملة تضليل تتعلّق بأنشطتها في الساحل.

وفي هذا الصدد، اعتبر الباحث في "مركز راند" الأميركي للاستشارات الأمنية، مايكل شوركين أنّ "المعركة حول صورة برخان" أكثر أهمية من أي معركة قتالية في هذا النوع من النزاعات.

وأضاف، أنّ "الحكومة والجيش الفرنسيين كانا بطيئين في الانخراط في حرب المعلومات"، معتبراً أنّ "نشر الدعاية يجعل الجيش الفرنسي متوتّراً".

شبكات تأثير إلكترونية

ووفقاً للتقرير، ربّما تباطأت فرنسا في اللحاق بالركب، لكن ثمة أدلة على أنّها بدأت التحرّك.

وفي ديسمبر، أعلن موقع "فيسبوك"، أنّه أغلق شبكتين مرتبطتين بروسيا على خلفية إنشائهما حسابات مزيّفة للتأثير على الرأي العام، وشبكة ثالثة لها "روابط مع أفراد على صلة بالجيش الفرنسي".

ورفضت وزارة الدفاع الفرنسية، التعليق على الأمر في البداية، قبل أن تقول إنّها لا تستطيع تحديد المسؤوليات.

لكنّ الخبير في الاستخبارات في "معهد الدراسات السياسية" في فرنسا، ألكسندر بابيمانويل، يعتقد أنّ هناك وجوه في الجيش الفرنسي فرحت لرؤية فرنسا تتّبع نفس تكتيكات خصومها.

وتابع متسائلاً: "هل يجب على الديمقراطيات أن تتبّع نموذج الأنظمة السلطوية لتصير أقوى؟"، معتبراً أن المسألة أشبه بـ"منحدر زلق".

نتائج غير ملموسة و"غرور" فرنسي

ورجح التقرير، أن جزءاً من مشكلة فرنسا، هو أنه من الصعب على العديد ممن يعيشون في المنطقة رؤية نتائج عمليات "برخان"، لأنّ الجماعات المسلحة ثبّتت أقدامها، وتواصل شنّ الهجمات.

في هذا السياق، قال الباحث في المعهد الألماني للعلاقات الدولية، دينيس تول، إنّ "النتائج غير مرئية بالنسبة للمواطن المالي العادي".

وألقى تول، باللائمة أيضاً على "الغرور" الفرنسي الكامن في تفاعل قادة فرنسا مع انتقادات السكّان المحليين.

وأضاف: "أيّ نقد في مالي يُعتبر جحوداً ويثير الغضب"، محذراً من أنّ باريس "في طريقها لخسارة معركة الرأي العام في كل دول إفريقيا الناطقة بالفرنسية".

مستقبل عمليّة "برخان"

ومن المقرر مناقشة مستقبل عمليّة "برخان" خلال قمة، تُعقد في تشاد بين 15 و16 فبراير وتجمع دول منطقة الساحل (بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر) وفرنسا.

ويرغب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في تقليص حضور بلاده عبر تقاسم عبء العمليات العسكرية مع دول المنطقة، وشركاء أوروبيين.

وهناك أيضاً قوة تتبع للأمم المتحدة قوامها 13 ألف عنصر متمركزة في مالي، وتفاقمت خسائرها، الأربعاء، بإصابة 28 من عناصرها في هجوم على قاعدتهم وسط البلاد.