تحولت محنة السفينة الجانحة "إيفر جيفن" في ساعات قليلة من تعويمها إلى منحة لقناة السويس، التي أثبتت قدرتها الفائقة على إدارة الأزمات.

واستؤنفت رسميا حركة الملاحة البحرية بقناة السويس في كلا الاتجاهين اعتبارا من الساعة الثامنة مساء، بعد نجاح عملية إعادة تعويم السفينة الجانحة البنمية "إيفر جيفن" وإبحارها إلى البحيرات المرة الكبرى.

ويجري حاليا فحص السفينة (المعوّمة) وتحديد مدى صلاحيتها للتحرك مجددا، وفق ما قاله رئيس غرفة ملاحة بورسعيد عادل لمعي في مداخلة هاتفية مع أحد القنوات الإخبارية.



وأبحرت "إيفر جيفن" مجددا أمس الإثنين بعدما سدت الممر الملاحي العالمي الحيوي لمدة أسبوع تقريبا (الأزمة بدأت يوم 23 مارس/آذار)، مما نتج عنه تعطيل ما يقرب من 10% من حركة التجارة العالمية. وبثت الصفحة الرسمية لهيئة قناة السويس على فيسبوك تسجيلا مصورا لعملية إعادة تعويم السفينة.

وهناك ما لا يقل عن 113 سفينة ستعبر الممر الملاحي لقناة السويس في كلا الاتجاهين منذ استئناف حركة الملاحة بالقناة مساء أمس وحتى الساعة الـ8 صباح اليوم، كما سيكون هناك المزيد من السفن التي ستعبر القناة بعد ذلك، بحسب تصريحات رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع في مؤتمر صحفي عقد أمس.

وهناك ما يقرب من 422 سفينة عالقة حاليا بسبب السفينة الجانحة وسيتطلب الأمر 3 إلى 4 أيام لعبور هذا العدد الكبير من السفن من خلال القناة، وفقا لما قاله رئيس الهيئة. وقررت العشرات من السفن تغيير خطها الملاحي إلى طريق رأس الرجاء الصالح.

"إيفر جيفن" هي شاحنة عملاقة تحمل علم بنما ويتم تشغليلها بواسطة شركة النقل البحرية التايوانية "إيفر جرين"، بحسب صحيفة "الجارديان" البريطانية.

قال رئيس هيئة قناة السويس المصرية الفريق أسامة ربيع إن الرئيس عبدالفتاح السيسي كان يتابع يوميا جهود تعويم السفينة البنمية الجانحة في القناة.

وأضاف أن "الرئيس السيسي كان يتابع الموقف، وعندما أخبرته أن هناك 3 سيناريوهات لإنهاء الأزمة، قال لي هل جميع السيناريوهات متاحة؟، قلت له سيناريو التفريغ غير متاح وغير جاهز بسبب نقص المعدات".

وتابع" أن السيسي رد عليه قائلا إنه "يجب توفير أدوات السيناريوهات الثلاثة سواء تم استخدامهم أم لا، لأن "مصالح الناس مش لعبة، يجب إنهاء المهمة بأسرع وقت".

ولفت ربيع إلى أن الإصرار في العمل والإخلاص من ضمن أسباب النجاح، مضيفا: "سوف نزيد قدرات الهيئة لمواجهة أي أزمات، ونجحنا في تعويم السفينة الجانحة دون تفريغ حمولتها".

ويخضع طاقم السفينة (المعوّمة) إلى التحقيق، لتحديد الأسباب وراء أزمة جنوح السفينة وأيضا تحديد المسؤول عنها، على أن يسمح بعد ذلك للسفينة بمغادرة مصر.

وتشير التقارير الأولية إلى أن سفينة "إيفر جيفن"، التي تديرها شركة "إيفر جرين" التايوانية جنحت بعرض القناة بعد أن تسببت الرياح الشديدة والعاصفة الترابية في أن فقد طاقم السفينة السيطرة عليها بينما كانت في طريقها إلى روتردام الهولندية قادمة من الصين.

وستبحث التحقيقات أيضا احتمالية وقوع خطأ بشري وسيخضع للتحقيق كل من قائد السفينة واثنين من المرشدين كانا على متن السفينة وكان المنوط بهم تقديم المشورة بشأن توجيه السفينة، بحسب صحيفة واشنطن بوست.

وأشارت الصحيفة إلى أنه، ووفقا للقانون المصري فإن المرشدين لا يتحملون مسؤولية أية أضرار تلحق بالسفن التي يكونون على متنها.

وبمجرد الانتهاء من التحقيقات، ستقوم هيئة قناة السويس بدراسة تقديم التعويضات اللازمة للسفن التي ظلت عالقة خلال فترة توقف الملاحة، بحسب تصريحات ربيع.

وأشار إلى أن فترة توقف حركة الملاحة بالقناة والتي امتدت لستة أيام أثرت على الإيرادات للقناة والتي تقدر بما يتراوح بين 10 إلى 15 مليون دولار يوميا.

وقال رئيس هيئة قناة السويس السابق ومستشار رئيس الجمهورية مهاب مميش، خلال مداخلة تلفزيونية، إنه يحق لمصر مطالبة الشركة المالكة لإيفر جيفن بتعويضات.

هناك أخبار جيدة أخرى، وهي أن ميزان المدفوعات الخاص بمصر لن يشهد تأثيرات كبيرة بسبب حادث السفينة الجانحة، وذلك بفضل عائدات قناة السويس التي تفوقت على أية خدمة أخرى عابرة للحدود خلال أزمات سابقة، بحسب ما قالته مؤسسة موديز في تقرير المراجعة الدورية للتصنيف الائتماني لمصر، والذي لم يتضمن أية تحديثات تخص التصنيف الائتماني أو النظرة المستقبلية لمصر.

وأشارت الوكالة إلى أن إيرادات قناة السويس ظلت مستقرة تقريبا، إذ تراجعت بنسبة 0.7% فقط خلال جائحة "كوفيد-19" والتي أثرت على الاقتصاد العالمي خلال 2020.

وقالت موديز: "نتوقع عدم تأثر المصدرين الآخرين الذين يعتمدون على قناة السويس، ومن بينهم الدول المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط لغياب الاضطراب الممتد". وأكدت الوكالة التصنيف الائتماني لمصر عند B2، مع نظرة مستقبلية مستقرة.

ومن المتوقع أن يسهم إعادة تعويم السفينة الجانحة في تعزيز حركة ثقة شركات الشحن في قناة السويس، لا سيما أن عملية الإنقاذ واستئناف حركة الملاحة تمت بأسرع مما كان متوقعا، حسبما ذكر مميش في مداخلة تلفزيونية.

من ناحية أخرى، استغلت روسيا أزمة السفينة الجانحة للحديث عن مميزات مسار بحر الشمال التابع لها وكيف أنه يعد بديلا آمنا لقناة السويس، بحسب وكالة رويترز.

وكانت موسكو صرحت عام 2019 أنها تخطط لجعل مسار بحر الشمال نشطا على مدار العام (وليس فقط خلال الفترة من يوليو وحتى أكتوبر) بحلول 2030، وأنها ستقدم التغطية التأمينية لشركات الملاحة التجارية التي تتحمل المخاطر المتمثلة في حدوث اضطرابات في سلاسل التوريد.

ولكن لا ينبغي القول بضرورة حفر قناة جديدة للحفاظ على تنافسية قناة السويس، إذ أنه ليست هناك جدوى اقتصادية لمثل هذه الخطوة، وفقا لما قاله ربيع في المؤتمر الصحفي أمس.

وصف مسؤول في مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) تعويم السفينة "إيفر جيفن" التي كانت جانحة في قناة السويس وعبور بعض السفن الأصغر حجما بأنه مصدر ارتياح بالنسبة للعاملين في التجارة العالمية والتنمية، بعد انتظار العديد من السفن فترة استمرت أسبوعا.

ونقل موقع أخبار الأمم المتحدة عن جان هوفمان، رئيس فرع لوجستيات التجارة في الأونكتاد، القول إن الأمر سيستغرق وقتا كي تمر جميع السفن الأكبر حجما عبر القناة.

وأوضح أن "بعض السفن، وخاصة السفن الأكبر، بدأت بالانعطاف وتحرك بعضها عبر جنوب أفريقيا. وكل هذا سيؤدي إلى انخفاض في وصول السفن القادمة من آسيا إلى أوروبا بنحو 30% في أبريل/نسيان"، مشيرا إلى أن هذه النسبة ستزداد في الأشهر المقبلة لأسباب تراكمية.

وذكر المسؤول في الأونكتاد أنه بالنسبة لأوروبا الغربية، فإن نحو 20% من إجمالي المأكل والمشرب والملبس يمر عبر السويس.

وأشار إلى أن التأثير الآخر لتوقف الحركة على قناة السويس يظهر على الأسعار، مضيفا أن تكلفة نقل هذه البضائع لإيصالها للمستهلك سترتفع.

وأوضح أن صعوبة الحصول على حاويات فارغة تمثل مشكلة، فاقمتها أزمة قناة السويس، ولكنّها كانت موجودة من قبل بسبب جائحة كورونا.

وقال: "يوجد الآن عدم توازن خاصة بين الصين والولايات المتحدة. فما يصل إلى 80% من الحاويات الفارغة تذهب من الولايات المتحدة للصين. الحاويات تصل ممتلئة من الصين إلى الولايات المتحدة، وتُعاد 80% منها فارغة".