يوماً بعد يوم، يؤكد القادة الميامين للمملكة العربية السعودية وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، بأن الخط والمسار الذي سارت وتسير عليه مملكة الاعتدال والوسطية والتسامح هو المسار الحقيقي والواقعي للإسلام الوسطي الاعتدالي المفعم بروح المحبة والتسامح، وهو ما يؤكد بأن المملكة ليست فقط وحدها بخير، وإنما الإسلام ذاته أيضاً، طالما كانت الأمور بيد هذه القيادة الحكيمة والرشيدة، وإن استقبال المملكة للبطريرك الماروني بشارة الراعي بناءً على دعوة رسمية موجهة له، هي رسالة إيجابية وصفحة محبة وتعاون وود بين الأديان ترسلها الرياض إلى العالم.

هذه الزيارة تعتبر أول زيارة رسمية لبطريرك ماروني للرياض، وهي تاريخية وبالغة الأهمية لأنها تتم في وقت تسعى فيه الجماعات المتطرفة الإرهابية الضالة تحريف الكلم عن مواضعه‌ وتسعى لاستغلال وتوظيف الإسلام لغايات وأهداف، الإسلام بريء منها براءة الذئب من دم يوسف ابن يعقوب، وبذلك فإن القيادة السعودية الحكيمة التي تعتبر رمز الاعتدال والوسطية والتسامح، تثبت وتؤكد مرة أخرى على أنها حريصة كل الحرص على إظهار الوجه الحقيقي المناصع والمشرق للإسلام وتفند وتدحض كل الآراء والأفكار والتوجهات المتطرفة الانعزالية الانطوائية التي تحاول إظهار انغلاق الإسلام ورفضه للأديان الأخرى.

هذه الخطوة الحكيمة والتي تأتي في الوقت المناسب، تأتي من القناعة العميقة والراسخة بأن الإسلام لا يرفض الأديان الأخرى أو يحاربها، تماما كما تقول الآية الكريمة: «لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين»، وإن المملكة التي تقوم بتطبيق القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، تسير على ذات النهج والطريق الذي سار عليه الرسول الأكرم محمد «ص»، عندما جلس مع أتباع الديانات السماوية انطلاقاً من الآية الكريمة: «قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون»، وبطبيعة الحال، فإنه وفي الوقت الذي يسعى العالم ولاسيما الأديان السماوية إلى التأكيد على النهج الاعتدالي والوسطي في الانفتاح على الأديان الأخرى خصوصاً والبشرية عموماً، فإن للإسلام دائماً الكلمة الأهم والموقف الفصل في هكذا حالات، وإن دعوة البطريرك الماروني الراعي إلى أرض الرسالة الإسلامية في وقت يسعى من يسعى لتشويه الإسلام وتحريفه لغايات ومآرب مشبوهة، خطوة إيجابية لها معانيها ودلالاتها الخاصة، وهي وقبل كل شيء بمثابة رسالة خاصة للأمة الإسلامية في سائر أرجاء العالم من أن الإسلام الذي جاء به رسولنا الكريم «ص»، هو هذا الإسلام المنفتح على الأديان السماوية الأخرى وغير متعارض أو متضاد معها كما يسعى المتطرفون الإرهابيون الضالون لذلك عبثا ومن دون جدوى.

المجتمعات الإسلامية التي كانت على طول التاريخ محتضنة لأتباع الديانات الأخرى وتتقاسم السراء والضراء معهم ويعيشون وكأنهم جزء لا يتجزأ من هذه المجتمعات، إنما كانت تفعل ذلك انطلاقاً من فهمها الصحيح للإسلام الاعتدالي والذي تربت عليه على مر التاريخ وإن المملكة بخطوتها المباركة هذه إنما تؤكد على هذه الحقيقة وتشدد على التزامها بها أمام العالم كله.

*الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان