«لا زلت أشعر بالحنين لأمي رغم تجاوزي الثمانين من العمر».. هذه المقولة للأديب العالمى نجيب محفوظ تلخص جملة من أرقى وأسمى المشاعر التى فطر الله الناس عليها فى محبة الابن لأمه والعكس.

هذا الرباط المقدس الذي يبدأ في أطهر ما خلق الله في جسد المرأة وهو الرحم والذي جعله الله رمزاً لأقوى الروابط التي تربط المخلوقات بعضها ببعض وليس البشر فقط، الأم هي مهد الحياة ونبع الرحمة والجمال وبها تُرحم الخلائق، لقد اختص اللهُ الأمَ بمكرمة وفضيلة إذ يقول في كتابه الكريم «ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً»، ثلاثون شهراً من المعاناة التي تفوق الاحتمال لولا لطف الله والمحبة التي يلقيها الله في قلب الأم بولدها والتي تستعين بها على أداء أمانتها وتظل تلازمها تلك المحبة العظيمة حتى نهاية عمرها.

فلا عجب إن قلنا إن ما يقدمه الأب لأبنائه لا يمثل قطرة في بحر تضحيات الأم العظيمة، لا شيء يدنو من هذه الرتبة العالية التي لا تعلوها الرُتب، لذلك نجد في كل مجتمع على وجه الأرض ارتباط الأبناء بأمهم أكثر من الأب وهذا ليس من باب الصدفة ولكن لأنها فطرة وإرادة إلهية تعوض الفارق بين الأب والأم.

هذا الفارق الذي يتمثل في قوة الأب جسدياً ومادياً، فالرجل يملك السلطة والخيارات التي تعوضه بعض النقص في المشاعر وترضى ذاته وأنانيته أحياناً ولكن الأم تعطي بلا حدود وبعفوية وتضحي فلا ينخدع الصغير لأنه يعيش في حنان أمه وكنفها وشوقها إليه حتى وإن غاب عن النظر، هذا الارتباط الذي بدأ في الرحم لا ينفك أبداً بمشاغل الحياة حتى وإن كبر الأبناء وتزوجوا لا تقل عندهم العاطفة القوية تجاه الأم حتى مع الزوج - الزوجة وفي وجود الأبناء تظل الأم هي المصدر والإلهام لكل المشاعر الإنسانية الرقيقة الراقية فعلاً وحالاً، لذلك يقاس الخلُق بتربية الأم وبرها والإحسان إليها، حتى في الأمم والحضارات القديمة ومنذ فجر التاريخ كانت الأم في الأديان هي رمز الحب والحنان والعطف.

لذلك نقررها بوضوح لا ريب فيه ولا مرية رباط الأم وصلتها بأبنائها هي الأقوى عن أي رابطة أخرى ومشاعرنا العفوية تجاه الأم بأنها الأقرب إلى القلب ليست تكلفاً واكتساباً ولكنها الحقيقة والفطرة النقية السوية، لقد ألهمت الأم الشعراء والأدباء ليكتبوا عنها أبلغ العبارات فهنا نجد حافظ إبراهيم يدرك قيمة الأم في المجتمع وما تخرجه لنا من قادة عظماء في شتى المجالات فيقول «الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق»، فكل عظيم يرجع الفضل فيه للأم.

ويقول محمود درويش وهو يعبر عن حبه لأمه «أحنّ إلى خبز أمي وقهوة أمي ولمسة أمي وتكبر في الطفولة يوماً على صدر يوم وأعشق عمري لأني إذا متّ، أخجل من دمع أمي! خذيني، إذا عدت يوما وشاحاً لهدبك وغطي عظامي بعشبٍ تعمد من طُهْر كعبك وشدّي وثاقي بخصلة شعر بخيطٍ يلوُح في ذيل ثوبك»، وصدق الشاعر حينما قال «الأم هي أول الأوطان وآخر المنافي»، كل عام وكل امرأة وأم عظيمة بخير وعافية.