في بداية الأمر يجب أن أنوه إلى أنني لست من متابعي المسلسلات الخليجية في هذا الشهر على الإطلاق لأن لدي وجهة نظر وهي أن محتواها بالغالب لا يرقى لمستوى المشاهدة ولا تفيد الجمهور في إمداده بمعلومات وأفكار يستفاد بها في حياته العلمية والعملية.

غير أن تلك المسلسلات قد عكست واقع مواقع التواصل الاجتماعي وكأنها مخطط غربي يشاهد في الأفق من دون أن ندرك حقيقة الأمر، فظهرت حسابات بالتواصل الاجتماعي تؤزم كل ما يطرح في تلك المسلسلات وتسيسها، ولا أجد أي مبرر لقيام تلك الحسابات بذلك سوى بأنها تزرع الفتنة بين الشعوب العربية.

وفي السابق على حد علمي كانت المسلسلات تعرض أعمالها ولا تلقى هذه التغطية الإعلامية في وسائل التواصل الاجتماعي بهذا الحجم والتركيز، وأحياناً تزرع الابتسامة، إلا أن من باب الملاحظة ووفق تخصصنا في تحليل المضامين الإعلامية فإن أغلب هذه المسلسلات تحتوي على كم هائل من العادات المسيئة لمجتمعاتنا العربية والخليجية بالذات.

ومن هنا استغلت مجموعة كبيرة من حسابات التواصل الاجتماعي هذه الثغرة في عرض المقاطع المسيئة وبثها والتركيز عليها، بهدف خلق حالة من الفوضى في المجتمع العربي مما يؤدي إلى الانقسام، خاصة أن العالم العربي يعاني من تحزبات فريدة من نوعها على المستوى الدولي.

كما أن تحول تلك الحسابات إلى صحافة صفراء لا تراعي المجتمع ولا مكوناته هو أمر في غاية الخطورة، فلا يمكن للحكومات العربية أن تصمت عن هذه الحسابات التي باتت تروج إلى الشائعات وتستغل المستوى الهابط للمحتوى الدرامي في المسلسلات الخليجية، وتروج له أو أنها تدقق أكثر في التركيز على الجوانب السلبية من أجل زيادة عدد المتابعين أو لغايات أخرى.

وبالتالي لمصلحة من هذا الصمت عن تلك الحسابات والمسلسلات الهابطة، ويستلزم ذلك الرجوع إلى الأصل فقد أكد التقرير النهائي للجنة الدولية لدراسة مشكلات الاتصال في المجتمع الحديث وهي لجنة «ماكبرايد» بوجود شركات تسيطر على المحتوى الإعلامي ووصفت ذلك الإنتاج بأنه سلعة ثقافية تسيطر على الخدمات الإعلامية والثقافية وتروج للأفكار في المجتمعات المحلية، ومن هنا يتضح بأن ما يطرح في شهر رمضان في التلفاز وما تعكسه في وسائل التواصل الاجتماعي هي سلعة يراد بها عدد من الأهداف ومنها اقتصادية واجتماعية ووصولاً إلى سياسية.

وفي ضوء ما سبق فإن الإنتاج العربي من تلك السلع قد تجاوز الحد، وأن الحكومات العربية مسؤولة أمام مجتمعاتها عن المحتوى الهابط من تلك السلع التي يراد بها في الظاهر الترفيه وفي الباطن زراعة الفتنة بين المجتمع الواحد، وأن شراء تلك السلع من قبل الحكومات وعرضها على الشاشات في المحطات المحلية هو إسهام واضح وترويج لها، وأن المصيبة الأعظم أن الأجيال القادمة ستكون هي من تحمل راية تنفيذ أجندة تلك السلع.

والخلاصة أن استمرار النهج الإعلامي العربي في عرض هذه السلع الثقافية الهابطة في التلفاز والصمت عن حسابات التواصل الاجتماعي التي تروج لأفكارها هو أمر في غاية الخطورة ونتائجه وخيمة على المستوى السياسي والاجتماعي، وأن التحرك القادم يجب صد هذه الأفكار بكل أدوات الضبط والسيطرة التي تملكها الدولة من خلال تطوير التشريعات الإعلامية والجرائم الإلكترونية.