تناولت مقالات رأي وأخبار وتقارير صحافية الشأن الصحي بالنقد البسيط أحياناً واللاذع في أحيان أخرى، ولكن كاريكاتيراً واحداً من ريشة زميلنا في "الوطن" حمد مهيزع جعل من وزارة الصحة والهيئة الوطنية لتنظيم المهن والخدمات الطبية وجميعة الأطباء أن ينتفضوا لعمل بيان مضاد ينتقدون فيه محتوى الكاريكاتير، في صياغة تحلل أبعاد الرسم بمنظور دفاعي بحت تاركين عمق القضية وجوهرها مع الأسف.

بين الزاوية الدفاعية للمؤسسة الرسمية متمثلة بوزارة الصحة وبين الحقوق الصحافية في النقد الحر دون قيد أو شرط، تأتي هذه القصة.. لتفجر تساؤلات وتضيء أبعاداً تستحق المعالجة الجادة، فمراراً وتكراراً يطرح القصور في الخدمات الصحية.. قصوراً واضحاً يكشف مشاكل جمة منها قلة الكادر الطبي من جهة، وشح الاستشاريين والاختصاصيين من جهة أخرى، وضغط المرضى والأعداد الآخذة في ازدياد يوماً بعد يوم، ومواعيد متأخرة لمراجعات وتحويلات لـ"السلمانية"، وفحوصات وأشعة بمواعيد بعيدة تصل لأكثر من عام، ونقص الأدوية وشح أدوية أمراض حساسة، وإبر مكلفة غير متوفرة، ومشاكل غسيل الكلى، ومرضى الأورام، والعلاج بالخارج وغيرها.. فكل ذلك ألا يدق ناقوس الخطر؟

الكاريكاتير.. فن ساخر من فنون الرسم، أبلغ في وصفه وأكثر قدرة على التأثير، فالصورة دائماً أوقع من الكلام، رغم كثرة ما نشر من كلام!

ريشة الرسام تفيض لتعبر عن أي مشهد أو موقف ليحقق النقد المطلوب، وهذا ما تم مع ريشة حمد.. فخطوطه التي رأوها "الصحة" مبالغ فيها، كانت تهدف لتوصيل رسالة القصور أكثر من كونها تهجماً أو انتقاصاً من قدر الكادر الطبي الذي نكن له كل احترام، لا سيما أن هناك أطباء مثل البلسم.

في ظل كل ما تقدم تأتي أهمية دور العلاقات العامة المتقدم، ذلك الدور الذي يهدف إلى تطوير العملية الإدارية للجهاز الحكومي من خلال تغذيته بالمعلومات الدقيقة حول اتجاهات الرأي العام.

كما يجب على العلاقات العامة تسعى للحصول على تأييد الجمهور ومد جسور الثقة والتواصل بينه وبين الحكومة، وذلك من خلال إمداده بالمعلومات الصحيحة والاعتماد على الصدق والأمانة في إيصال المعلومات وإرشاد المواطنين بما فيه مصلحتهم والمصلحة العامة، وهذا يحيلنا إلى دور العلاقات العامة في كل ما تقدم، وقياس الجدوى والتأثير، ولأضرب مثلاً سريعاً "أين دور العلاقات العامة في دعم الحملات الأهلية الصحية الناجحة والتي يقع تأثيرها بشكل أقوى من أي حملة رسمية يقومون بها، وأخص "حملة السمنة لا تليق" كمثال والأمثلة كثيرة"؟

إن تدعيم العلاقة مع وسائل الاتصال المعروفة من الصحف والمجلات والتلفزيون وغيرها، للدفاع عن موقف الدائرة الحكومية إذا تعرضت لأي انتقاد من قبل الآخرين من أساسيات التخطيط الصحيح، فالعلاقات العامة يجب ألا تخدم إنجازات وتحركات الوزير أو المسؤول الكبير، بل يجب أن تضرب في عمق العمل لتأخذ حيز القيادة ورسم الخطط، فأين هي صورة المؤسسة اليوم وأين نريدها أن تكون بعد 3 سنوات أو 5 سنوات كمثال؟ ما نحتاجه اليوم هو خطة حقيقية لرسم صورة إيجابية للمؤسسة "أياً كانت"، وترويج النجاحات والقصص الإنسانية الناجحة، فالعمليات تجرى بشكل يومي والكثير يخرج سالماً معافى، ولكن المشكلة في توظيف كل ذلك، قصص عمليات وقصص معالجة الأورام واستئصالها، ولا أعني هنا الدخول في خصوصيات المرضى على الإطلاق، ولكن يكفي توضيح ما تم من جهود على أرض الواقع لتعزيز الثقة المهزوزة، فما نريده من دوائر العلاقات العامة هو أخذ موقع الريادة في صلب التخصص من وظيفة إقناعية وتقييمية وتحليلية لتضع في نهاية المطاف الخطط وترسم السياسات، عندها فقط سنكون قد سلكنا الطريق الصحيح.

في كتاب الإعلام والرأي العام أثناء الأزمات، لكاتبه إبراهيم فواز الجباوي تناول الكتاب بالشرح عدة نقاط، من أهمها التخطيط الإعلامي وضروراته، من اتخاذ التدابير العملية للاستفادة المثلى من الإمكانات والقوى والكفاءات الإعلامية المتاحة لتحقيق أهداف واضحة مستقبلية، في إطار سياسة إعلامية محددة، يجري تنفيذها تنفيذاً فعالاً قائماً على تدابير تعنى بتعبئة القدرات والإمكانات الإعلامية واستغلالها بطريقة مثلى، والتنسيق بين القوى المتفاعلة لتوفير الجهد والوقت، والاستفادة المثلى من التقدم العلمي في مجال العمل الإعلامي.‏

وعوداً على بدء... فإن الكاريكاتير الناقد، والرسم الناجح هو الذي يحدث التأثير، ولو مرت "رسمة حمد" مرور الكرام فلن تكون ناجحة ولم تحقق أهدافها. ففي دراسة ماجستير أعدتها الباحثة خديجة الخاجة بعنوان "تعرض قراء الصحف المحلية للكاريكاتير وعلاقته باستجاباتهم المعرفية والوجدانية"، بينت فيها أن الكاريكاتير هو من أكثر الفنون الصحافية المفضلة لدى قراء الصحف البحرينية تليه الأخبار. وأشارت الدراسة إلى أن أسباب حرص القراء على متابعة الكاريكاتير تمثلت في تعبيره عن هموم الناس ومشاكلهم، ثم سخريته من الأوضاع السياسية الحالية، والتسلية والترفيه، إلى جانب جمعه بين فن التعبير والنقد.

وأختم بالتأكيد على أن السخرية والتسلية والترفيه والنقد هي من أبجديات الكاريكاتير؛ وعليه فإن المطلوب هو الاهتمام بجوهر الموضوع والرسالة، بدل تحليل الصورة وتفاصيلها ودلالاتها في بيان دفاعي من الدرجة الأولى!