يمكن إجمال أولويات التحول إلى مجتمع المعرفة بجملة محاور تشمل أولاً تعليم اللغة العربية حيث إن وعي الزمن يمكن الإنسان عن تطوير بصيرة معرفية. تشمل تعليم التفكير والخيال من خلال اللغة ويتم تحقيق التنمية العقلية والتواصلية مع الآخر. إن تكامل تعليم اللغة والعلوم والتاريخ ضروري لبناء الإنسان في عالم العولمة. ومع تنامي المعلومات وثورة الاتصالات يبرز أهمية التحليل الرمزي ضرورة الارتقاء بمهنة التعليم وتطوير حوافز للمدرسين في العلوم الإنسانية والاجتماعية لاستقطاب نوعية مميزة من الرأس مال البشري.

يلي ذلك إعادة دراسة الحضارات والتجارب الإنسانية حيث إن تجاوز ظاهرة الفصام التاريخي بين الحضارات ضروري لتعلم عظة التاريخ من التجارب الإنسانية عبر رحلتها نحو النهضة. كذلك إن فهم الدورة الحضارية والتحولات في الثورة الفرنسية والاتحاد الأوروبي وأمريكا في غاية الأهمية حتى يمكن للعرب من بناء اجتماعي يحاكي النماذج العالمية للتكامل الاقتصادي - العلمي - الاجتماعي.

فمع سقوط جدار برلين عام 1989 سقطت معه الفكرة السائدة التي كانت تعتبر الخلاص عن طريق المجتمع. والآن تنتج الرأسمالية آليات السوق الحرة وعولمة الاقتصاد لتحقيق اقتصاد المعرفة. ولكن نجم عن ذلك تحولات من عصر الإقطاع إلى حكومة المدن والنقابات المهنية منذ القرن الثالث عشر، ثم تلا ذلك اختراع الطباعة وبروز حركة النهضة في القرن الخامس عشر وكل ذلك مهد لبروز أمريكا عام 1774. الآن نحن نعيش في ظل عالم المعرفة والعولمة حيث أصبح للتاريخ مفهوم عالمي وبرزت التقنية الرقمية والحاسوب والاتصالات كسمات أساسية لهذا المجتمع الرقمي. ولذا نحن مطالبون بتطوير مجتمع معرفي ومؤسسات متعلمة.

وتضمين العلوم التجريبية في المنهاج وإيصال ثقافة العلم إلى المجتمع وفهم القوانين التي تحكم المادة تبني العقل الذي يفهم عالم الأسباب والترابط من المقدمات والتاريخ والعمليات ضمن التفكر من خلال النظم. إن الاهتمام بالعلوم الأساسية من علوم الأحياء والفيزياء والرياضيات له أهمية بالغة في توطين التقنية ولعل عدم قدرتنا على اللحاق في ركب التقنية يكمن في عدم تجديد العلوم الأساسية في منظومة التعليم وانفصال العلوم الاجتماعية عن العلوم الطبيعية.

لذا إن منظومة الابتكار الوطني ترتكز على مدخلات وعمليات ومخرجات للمعرفة حيث تسهم مراكز البحث والجامعات والقطاع العام والخاص في توثيق ونقل المعرفة ضمن تفاعل حيوي يحاكي الأنظمة الطبيعية في الحياة وينمو ويتجدد حسب قوانين محكمة.

خلاصة القول إن تطوير الجامعات الريادية والابتكارية يشكل ركيزة للتحول نحو المجتمع المعرفة حيث ارتبط نشوء الجامعات الأمريكية بالتنمية فقد كان قانون منح الأراضي للجامعات في أمريكا أثر جوهري في تمكين المزارعين من فهم العلم التطبيقي والتقنيات الزراعية. وهذا دليل على أثر السياسات العامة في رفد مجتمع واقتصاد والمعرفة وتكامل المعرفة العلم والعمل. إن تحديات الأمن الغذائي والمائي والطاقة تمثل حافزاً لتوجيه الأجندة العلمية نحو تطوير تكامل بحثي بين الجامعات في العالم العربي التقنيات الحديثة على صعيد الطاقة والتنقية الحيوية والمعلوماتية والذكاء الصناعي. لعل في نموذج الجامعات الريادية والابتكارية التي تعمل ضمن بيئة مترابطة فرصة لإصلاح التعليم الجامعي وربطه بالصناعات المحلية وتوليد قيمة مضافة من خلال دعم ريادة الأعمال والصناعة الصغيرة والمتوسطة فرصة للتحول إلى مجتمع الابتكار. إن دخول العالم العربي في مجتمع المعرفة والابتكار يتطلب وعياً للزمن واستشراف المستقبل لإعادة اكتشاف الذات وفهم السنن الكونية وممكنات التنمية للإسهام في مسيرة التنمية والابتكار.

* رئيس قسم الابتكار وإدارة التقنية - جامعة الخليج العربي