تتحمل الأمم المتحدة كثيراً مما آلت إليها الأزمات في عالمنا العربي بوجه خاص، وعلى المستوى الدولي بوجه عام. ولا شك في أن أزمة اليمن الدليل الأكبر والأقرب لفشل الأمم المتحدة في التعامل مع الأزمات. وبالتالي يمكن اعتبار الأمم المتحدة مسؤولاً رئيساً عن تفاقم الأزمة اليمنية، وعدم اتباع سياسة الحسم والحزم مع المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، وفي ذات الوقت، إصرار المنظمة الأممية على المساواة بين الحكومة الشرعية والجماعة الانقلابية، عبر استمرارها في تدليل المتمردين.

وبين فترة وأخرى تسعى المنظمة الأممية إلى غسل يديها من الأزمة، الأمر الذي يعطي الفرصة لميليشيات الحوثي لكي تستمر في المراوغة، وما يحدث في الحديدة، غرب اليمن، دليل دامغ على عدم وضوح رؤية الأمم المتحدة في إعلانها العام بشأن الوصول إلى اتفاق أولي بين الحكومة الشرعية والمتمردين، بشأن إعادة الانتشار في الحديدة، حيث يعد الاتفاق الأخير المشار عليه، جزءاً رئيساً، مما تم التوصل إليه في اتفاق ستوكهولم بالسويد.

ولأنه لا تبدو في الأفق ضغوط دولية كبيرة على المتمردين، واستمرار الأمم المتحدة في تدليل الميليشيات الحوثية، تسعى الأخيرة إلى المراوغة وإطالة أمد الأزمة وعدم الالتزام ببنود اتفاق السويد، لا سيما وأن المبعوث الدولي إلى اليمن، مارتن غريفيث تلاحق اتهامات بتحول موقفه من الليونة والمرونة مع الحوثيين إلى التراخي، الأمر الذي استغلته الجماعة المتمردة أحسن استغلال، وعليه ارتبكت نحو 1400 خرق لاتفاق الحديدة الذي تم توقيعه في السويد، حيث تسببت خروقات المتمردين في مقتل وإصابة نحو 600 مدني، إثر الهجمات الحوثية على مناطق سيطرة القوات الحكومية الشرعية والقرى السكنية في الحديدة، منذ إعلان الهدنة الهشة في المحافظة قبل نحو شهرين.

وفي 16 يناير الماضي، صوت مجلس الأمن الدولي بالإجماع على القرار 2452، الذي يتضمن إنشاء «بعثة سياسية خاصة»، تابعة للأمم المتحدة لدعم تنفيذ اتفاق الحديدة، بناء على مشاورات السويد، منتصف ديسمبر الماضي.

وينص القرار 2452، على إنشاء «بعثة سياسية خاصة» تابعة للأمم المتحدة لدعم تنفيذ الاتفاق المتعلق بمدينة الحديدة وموانئ المحافظة الثلاثة ودعم القرار الأممي السابق 2451، فيما يستمر عمل البعثة لفترة أولية مدتها 6 أشهر. في الوقت ذاته، يشمل عمل البعثة الجديدة، قيادة ودعم عمل لجنة تنسيق إعادة الانتشار، ورصد امتثال وقف إطلاق النار وإعادة نشر والعمل مع الطرفين حتى تكفل قوات الأمن المحلية أمن مدينة الحديدة وموانئها الثلاثة «وفقاً للقانون اليمني». وبالرغم من الحديث عن اختراق في ملف الحديدة رشح عن اجتماعات لجنة إعادة الانتشار برئاسة الجنرال الدنماركي مايكل لوليسغارد، والتوصل لاتفاق بإعادة الانتشار في المدينة وفتح ممر للوصول إلى مستودعات الغذاء الأممية ومطاحن البحر الأحمر، عشية إفادة مرتقبة لمارتن غريفيث أمام مجلس الأمن الدولي، إلا أنه لا يبدو في الأفق، أمل في إقرار الاتفاق، لا سيما مع التصريحات الأخيرة لرئيس وفد تفاوض المتمردين، محمد عبدالسلام، الذي تحدث عقب عن «عقبات جديدة بشأن اتفاق إعادة الانتشار في الحديدة»، الأمر الذي يعرقل تنفيذ خطوات المرحلة الأولى من إعادة الانتشار، والتي كان مقرراً لها صباح أمس الثلاثاء.

ولأن الجماعة المتمردة لم تجد موقفاً حازماً وحاسماً من المبعوث الأممي لليمن، ولا من مجلس الأمن الدولي، لاتزال تماطل في تنفيذ اتفاق السويد رغم مرور نحو 8 أسابيع على توقيعه، دون تحقيق أي تقدم يذكر على الأرض، سواء فيما يتعلق بإعادة الانتشار في الحديدة، أو في ملف الأسرى والمعتقلين، أو ما يتعلق بفك الحصار عن مدينة تعز جنوب غرب البلاد. وفي المقابل، تستمر الجماعة المتمردة في خرق وقف إطلاق النار، وإزهاق أرواح المدنيين، لذلك يبدو تحذير الجنرال لوليسغارد للجماعة المتمردة، بممارسة ضغط أكبر على الأخيرة، من مجلس الأمن الدولي، بهدف تنفيذ اتفاق السويد، شكلياً، لا سيما وأن المتمردين الحوثيين اختبروا تراخي الأمم المتحدة في التعامل مع أزمة اليمن أكثر من مرة، وأحسنوا التعامل مع الأمر، عبر المراوغة، وتعطيل تنفيذ بنود الاتفاقيات المبرمة.

* وقفة:

تراخي الأمم المتحدة في التعامل مع أزمة اليمن ساهم بشكل مباشر في تفاقم الأوضاع على الأرض لا سيما وأن المنظمة الأممية ماضية في تدليل المتمردين على حساب «الشرعية»!!