أكتب هذه السطور وأنا أتوسم «حسن النوايا» من قبل كثير من نواب البرلمان الحالي، والذي تطغى نسبة الشباب عليه.

تعودنا خلال الفصول الماضية على كرس مشاعر الخيبة والخذلان لدى الناس إزاء الأداء البرلماني، رغم أن في الفصول السابقة كانت الأوضاع الاقتصادية أفضل، وأذكر أننا في الفصل التشريعي الأول وصل سعر النفط لمستوى قياسي، إذ بلغ قرابة 120 دولاراً للبرميل، ورغم ذلك سجل في تاريخ البرلمان أنه وافق على تمرير مشروع استقطاع الـ1٪ للتعطل.

اليوم نمر في ظروف أصعب، وأمام النواب الحاليين مهمات صعبة جداً، أولها تغيير الصورة النمطية التي رسمها الناس لهم، وطبعاً ليسوا هم تحديداً بل لمن سبقهم، وصنع ذلك سمعة متوارثة تحيط بالمؤسسة التشريعية.

كذلك أمامهم مهمة صعبة معنية بتحقيق رغبات وتطلعات المواطنين وحل همومهم، بشأن ملفات عديدة، كان يمكن لها أن تتحقق بأريحية كبيرة لو رجعنا لعقد وأكثر من الزمان، لكن اليوم تحقيقها يحتاج لجهود جبارة، وضغط كبير.

كذلك، يحتاج السادة النواب أن يخرجوا بأداء قوي، وأن يتمثل ذلك عبر عملهم داخل البرلمان، سواء في الجلسة العلنية التي يتابعها الناس والإعلام أو عملهم داخل اللجان.

الملاحظ الآن أن بعض الجلسات النيابية تسجل فيها مواقف إيجابية لكثير من النواب، بالأخص الشباب الذين نلحظ لديهم الحماسة، ويمكن القول بأنهم يعبرون عن رغبة صادقة في تحقيق شيء يصب في مصلحة الناس.

نعم، هناك شد وجذب وأحياناً يرتفع الصوت والصراخ في بعض الجلسات، وهناك مماحكات حادة مع بعض الوزراء بشأن قوانين ومشاريع وغيرها، وهنا نقول بغض النظر عن المضمون والحالات التي نعنيها، وموضوع السجال، إلا أن هذا الحراك إيجابي، من ناحية أننا لا نريد برلماناً إما يكون على وضع «السكون» هادئاً لا يبادر لتحريك المياه الراكدة، أو برلماناً «مسالماً» يقبل بتمرير الأمور بسرعة صاروخية دون روية أو مناقشة.

دور البرلمان أن يقف أمام الأمور، أن يبحث ويسأل ويمحص ويطلب توضيحات ويدعو لتقديم المبررات، لأنه يلعب دوراً رقابياً، ويمتلك أدوات المساءلة بحق الحكومة ممثلة بقطاعاتها ومسؤوليها.

البرلمانيون يعرفون بأن لديهم صلاحياتهم الدستورية، والأدوات التي يتحركون بموجبها، وعليه فإن هذه القوة المكفولة دستورياً التي يمتلكونها، تخولهم ممارسة الضغط حتى على الوزراء خلال سؤالهم أو مناقشتهم.

هنا المواقف القوية إن تمثل بها النواب ستكون محركة للشارع البحريني، بحيث يدرك أن هناك جدية، وأن هناك «حرقة» من النواب لأجل الناس، لكن شريطة ألا تنحرف هذه المواقف وتصل لمستوى الصراع الشخصي أو الاستهداف الموجه لهذا الوزير أو ذاك، لأن الشخصنة لو سادت، فإن القضية العامة تضيع، وهنا نتوسم في جميع النواب الخير، ونتطلع أن يحققوا أموراً تحسب لصالحهم وتكون في خانة استفادة المواطن.

لنتذكر بأن أي خلاف في الرأي، أو تباين في وجهات النظر بين النواب والوزراء، لا يعني ذلك وجود حالة توتر بين البرلمان والحكومة، أبداً ليس هذا التوصيف الصحيح للمشهد، إذ الاختلاف في الرأي هو المطلوب في شأن مناقشة أية مشاريع أو قوانين، لأن هذا الاختلاف هو ما يبين لك جوانب النقص، وهو ما يقدم لك أفكارا أفضل تسد الثغرات، بالتالي حتى لو اختلفت وجهات النشر النيابية والحكومية فإن هذا يخدم المواطن.

مجلس يفترض أن يكون صمام أمان المواطن، وهو ما ندعو النواب ليتمثلوا به، وهنا الوقوف عند بعض القوانين، ومراجعتها وحتى الطلب بسحبها وإعادة صياغتها أو تعديها بما يخدم الناس، هو التمثل بهذا الدور المطلوب، وكما يلاحظ النواب فإن الحكومة متعاونة في هذا الجانب من خلال ما يعبر عنه الوزراء.

نريد برلماناً قوياً، وأيضاً حكومة قوية، ونريد حراكاً تعاونياً قوياً، وكل هذا يعزز مكاسب المواطن ويقويها، إن عرفنا كيف تدار العملية بذكاء وفاعلية.

بالتوفيق للجميع إن كان هدفكم الأوحد الوطن والمواطن.