تستخلص الدول والمجتمعات الدروس والعبر من أزماتها، فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان جاء بالعاشر من ديسمبر 1948 بعد الحرب العالمية الثانية. تلك الوثيقة التي أكدت على الإيمان بحقوق الإنسان الأساسية، وبكرامة الفرد وحماية النفس البشرية من التهديدات التي تعبث بأمنه واستقراره.

انطلاقاً من واقعة إحدى المدارس عبر انتشار فيديو يتعلق بالبيئة الداخلية بها والممارسات التي تهدد أمن وسلامة الأسرة والمجتمع، ولا يستقيم تواجدها في البيئة المدرسية فضلاً عن باقي الأماكن. لن نخوص في أسباب ومسببات هذه الواقعة حيث إنها أُشبعت تفصيلاً والآن منظورة لدى القضاء علاوة على أن سمو رئيس الوزراء قد أمر بفتح تحقيق شامل ومتكامل في هذه الواقعة للوقوف على أسبابها ومسبباتها.

كما أننا لن نتطرق إلى جهات القصور والتقصير في هذه الواقعة للأسباب التي تم ذكرها سالفاً. ولكن من المهم استخلاص الدروس والعبر من هذه الواقعة. حيث إنها تسهم في الوقاية والحفاظ على أمن وسلامة المجتمع والبيئة الداخلية بالمؤسسات الخدمية الرسمية.

وعلية سنبحث عن الإجابة على بعض التساؤلات، أولاً: عن الذين تصدروا المشهد للدفاع عن المجتمع إلى حد التشكيك في القضاء والمؤسسات الرسمية من حيث يعلم أو لا يعلم. ثانياً: الشريحة التي انقسمت على نشر الواقعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي انطلاقاً من أهمية النشر أو قانونيته. ثالثاً: كيف تمت إدارة الأزمة قبل وأثناء وبعد النشر من قبل المؤسسة الخدمية الرسمية؟

دروس وعبر

أولاً: هناك من تصدر المشهد لتسليط الضوء على هذه الواقعة ووجوب معالجتها والوقوف على أسبابها ومسبباتها لحماية الأسرة والمجتمع. وآخرون رأوها فرصة للقدح والذم بالمؤسسة الرسمية والتشفي والانتقام لخلفيات شخصية أو حزبية وهم قلة، وهناك ممن لزم الصمت وذلك لتراجع تفاعل المجتمع الملحوظ أو الخوف من المساءلة.

ثانياً: شريحة المجتمع التي انقسمت على أهمية نشر المقطع من قانونيته، والشريحتان وجهتا نظرهما مقدرة. ولكن من الملاحظ أن القضايا المجتمعية التي يكون بها طرف مؤسسات رسمية لا تتخذ الإجراءات القانونية أو القرارات أو التراجع عن التصريحات التي تنال من المجتمع إلا بعد أن تصبح قضية رأي عام.

ثالثاً: ثبت مرة أخرى أن بعض المؤسسات الخدمية الرسمية غير قادرة على امتصاص الأزمات الاجتماعية، مما يؤكد خلوها من آلية محددة لمواجهة أزمتها، كما ثبت أن تصنيف كل من يسلط الضوء على مكامن الخلل والقصور لدى المؤسسات الخدمية الرسمية على أنه عدو أو يهدد العمل، أنها حجة ضعيفة. وأنصح تلك المؤسسات، عندما تبادر أي شخصية اعتبارية لها مكانتها الاجتماعية والعلمية وتعمل على تقديم الخدمات للمجتمع، التواصل معها للوقوف على ما تم نقده أو نشره قبل أي إجراء قانوني، لأن هذا الإجراء سيؤسس لفجوة بين المؤسسات الخدمية والمجتمع.

إلى من يهمه الأمر

من الملاحظ أن جل الإجراءات والقرارات التي تتعلق بالقضايا الاجتماعية، لم تتخذ إلا بعد أن تكون قضية رأي عام. والأمثلة على ذلك كثيرة بدءاً بقضايا الأخطاء الطبية، وصولاً، إلى إعادة قانون التقاعد للدراسة بعد رفضه من قبل المجتمع إذ جاءت توجيهات حضرة صاحب الجلالة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، لتؤكد مرة أخرى أن جلالته هو الضمانة الأصيلة لحماية حقوق المواطنين، وتعزيز المشاركة الشعبية، في إطار القانون والمؤسسات. ومن ثم التقليل من كفاءة المواطن، والاستغناء عن الموظف البحريني بإحدى الشركات الحكومية، ورفض أفضلية البحريني في العمل، كل تلك القضايا تم معالجتها بعد أن أصبحت قضايا رأي عام.

قيل في العمل: إن أعظم الحقوق هو الحق في أن تخطئ، وعليه وجب على الإنسان ألا يكتفي أن يعمل خيراً بل أن يحسن عمل الخير.