أضحى مفهوم مقولة «الشيطان يكمن في التفاصيل» لدى البعض منهاجاً يتبناه ويعمل به حتى إنه أصبح جزءاً من عقيدته الحياتية التي لا يستطيع التخلي عنها، اعتقاداً منه أن الحديث في التفاصيل يؤدي إلى فتح باب الشيطان وبالتالي يؤدي لمزيد من التعقيدات. علماً بأن تجاهل التفاصيل أو المراوغة عند الإفصاح عنها يمكن أن تؤدي إلى السطحية وعدم الدقة في العمل أو في تفسيره.

بينما تبذل الجهود الوطنية لتحقيق أهداف برنامج عمل الحكومة والتوازن المالي في وقت وشيك بعد الإعلان عنهما، في الوقت ذاته، فإن المواطن لايزال ينتظر معرفة الكثير من المعلومات حول آلية التطبيق دون المساس بالخدمات الأساسية والحفاظ على تعزيز واستدامة الخدمات الحكومية الرئيسة.

دراسة حالة التفاصيل

جاء برنامج التقاعد الاختياري لمن يرغب فيه من موظفي الحكومة، ضمن 6 مبادرات أطلقها برنامج التوازن المالي لتقليص الدين العام لما دون 20%. وتقدم لهذه المبادرة ما يقارب نحو 10 آلاف موظف. لن نتحدث عن تفاصيل مدى أثر خروج هذا العدد الكبير على بيئة العمل أو أثرها على الخدمات المقدمة للمجتمع، أو مدى تأثر فقدان صندوق التعطل تحصيل 1% من هذا العدد الكبير، أو كيف ستستوعبهم البيئة الاستثمارية والتجارية في ظل التراجع المحلي والإقليمي، أو عن طريقة مدى نجاعة سد الفجوة المالية ببرنامج التقاعد الاختياري من صندوق التعطل. لأن «الشيطان يكمن في التفاصيل».

ولكننا سننطلق للبحث عن الإجابه على سؤالين الأول: ما سبب انقسام مجلس النواب على القانون المعني بتحويل مبلغ من صندوق التعطل إلى برنامج التقاعد الاختياري؟ الثاني: ما سبب سلبية الجمهور ومحدودية معرفتهم لأهمية هذا القانون حسب ما تراه السلطة التنفيذية؟

أولاً: حصل القانون المقدم للبرلمان بصفة الاستعجال على 59.5% مقابل 40.5% إذا ما تم احتساب نائبين امتنعا عن التصويت. وهذا يبين انقسام أو تباين البرلمان الكبير على تمرير القانون وهذه ظاهرة صحية، ومن الجهل وصف المبلغ المحول على أنه من حصة الحكومة، لأنه في الأصل هو صندوق موحد وغير مجزأ. ومن جانب آخر، مرة أخرى تثبت الحكومة أنها الجهة الوحيدة القادرة على اقتراح الحلول للمشاريع، في ظل ضعف المبادرات والحلول البديلة من قبل البرلمان وهذه ظاهرة غير صحية. انتهى.

ثانياً: تعود سلبية المواطن تجاه القانون على الرغم من أهميته وأثره، لضعف الرسائل الموجهة للجمهور عبر خطاب حكومي موحد يعكس «تعليل» أهدافها. ومن جانب آخر، يجب أن تعي المؤسسات المعنية بمخاطبة الجمهور أنه ليس مهمتها نشر الأخبار والإنجازات فقط بل تنطلق من فلسفة تحث على التعاون، وأن يكون نهجها ليس مقتصراً على الاتصال بين المؤسسات فقط، بل يطال اتصال المؤسسات بالجمهور كذلك. انتهى. هذه الإجابات تحمل رأي الكاتب فقط.

* خلاصة القول:

أولاً: إن التوجيه السامي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى بعدم إثقال كاهل المواطن بالمزيد من الالتزامات والاستمرار في إيجاد البدائل الأخرى التي تساعد على مواجهة التحديات، يؤكد مرة أخرى أن جلالته قريب من هواجس أبنائه المواطنين في ظل المتغيرات الاقتصادية المحلية والإقليمية.

ثانياً: مع تطور النظام السياسي الحديث في مملكة البحرين، لم تعد السلطة السياسية «الحكومة - البرلمان» وحدها هي القوة المؤثرة في تحقيق أهدافها المتعلقة بالمجتمع، بل ظهر الرأي العام بوصفه قوة لها اعتبار في اتخاذ القرارات، وأصبح لزاماً عليها مراعاة آراء المجتمع وردود أفعاله عند رسم سياساتها، حيث إنها تستمد قوة وثبات وجودها من هذا التناغم.

لذلك نقول إنه لا داعي للتخوين أو التشكيك في ردود أفعال المجتمعات، حيث إنها تأتي نتيجة قياس المجتمعات لرسائل حكوماتها وبرلماناتها التي تطلقها الأخيرة، خاصة إذا كانت هذه الرسائل لا تفرق بين نشر أخبار منجزاتها وبين تعلل أهدافها لجمهورها.