امتشق وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف سيف التاريخ مخاطباً الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قائلاً «إن ترامب يريد أن يحقق ما فشل في إنجازه الإسكندر المقدوني وجنكيز خان، وهو تدمير إيران. فالإيرانيون بقوا واقفين لآلاف السنين بينما رحل كل المعتدين. الإرهاب الاقتصادي والتبجحات عن الإبادة لن تقضي على إيران».

ولا نعلم كيف يقرأ ظريف التاريخ، فما يعرفه طلبة التاريخ وليس أساتذتهم الجامعيون مثل ظريف، أن الإسكندر الأكبر لم يفشل في تدمير الإمبراطورية الفارسية. لقد هزم الإسكندر الأكبر ملك الفرس داريوش الثالث في «معركة غوغميلا» في 331 ق.م.، وأدى نصر المقدونيين إلى سقوط دولة الأخمينيون، فقد قدرت خسائر الإسكندر بحوالي 1500-2000 قتيل وجريح. فيما قدرت خسائر الفرس بحوالي 50 ألف قتيل وجريح. وما يهمنا أنه قد سقطت إمبراطورية الفرس بيد الإسكندر بعدما احتل بابل من دون معركة. وتابع سيره إلى عاصمة الفرس في برسيبولس حيث أحرق قصر الملك داريوس. حاول الملك داريوس إعادة تنظيم قواه وبعث القوة في أنصاره لمتابعة الحرب، ولكنه اغتيل العام 330 ق.م. على يد أحد مساعديه. جراء تلك الهزيمة المريرة تحطمت الحضارة الفارسية، حتى أراد الله أن يرسل لهم الفتح الإسلامي حيث إن مُعظم المُؤرخين يتفقون أنَّ الحياة الفارسية كانت في حالة تدهورٍ وانحطاط، وبالتالي فإنهم احتضنوا تلك الجُيوش العربيَّة الغازية بأذرعٍ مفتوحة، لماذا؟!! لأنها أخذت بيدهم ليعودوا إلى طريق الحضارة، فيظهر العلماء والأدباء والفلاسفة الفرس تحت ظل الفتح الإسلامي، ومن هؤلاء العلماء من أصول فارسية ابن سينا والبخاري والرازي، بل ان أكبر علماء اللغة العربية وعلى رأسهم العالم المشهور سيبويه كان من أسرة فارسية، وأغلب أئمة أهل السنة والجماعة كانوا من الفرس. ومع ذلك تصر بعض المصادر ذات الصبغة القوميَّة الفارسية خُصُوصاً أن اسمه «الفَتْحُ العَرَبِيُّ لِفَارِسْ».

إذاً ليس كل الفاتحين قد رحلوا، بل تركوا آثارهم في الحياة الفارسية، بل ان إيران الحالية لا يمثل فيها الفرس إلا النزر القليل، بينما بقية الشعوب الإيرانية هم من القبائل الغازية لإيران، فالمجموعات الرئيسية الخمسة الفرس، الطاجيك، البشتون، الأكراد، والبلوش تظهر أن الفرس خمس المكون وليس حتى نصفه.

أخيراً يخسر ظريف في استخدام التاريخ حين قال إن كل الفاتحين قد رحلوا، ولم يبقَ لهم أثر، فقد بدأ الفتح الإسلامي الذي لا زالت آثاره حتى اليوم. ففي زمن أبي بكرٍ الصدّيق وفي عام 633 م استكمل خالد بن الوليد الفتح ثم بدأت الموجة الثانية من الفُتوحات بقيادة سعد بن أبي وقَّاص عام 636 م، فكان النصر في معركة القادسيَّة. ثم أمر الخليفة عُمر بن الخطَّاب فما جاء عام 644 م حتى استُكمل القضاء على تلك الإمبراطوريَّة وفتح فارس برُمَّتها.

* اختلاج النبض:

التاريخ هو العمق الاستراتيجي لمن يبتغي صناعة المجد في الحاضر والمستقبل، فلا تزور التاريخ يا ظريف.