* بعث لي أحد الأصدقاء برسالة يبادلني فيها مشاعر الحياة ويخبرني بأنه يقرأ بصمت سطور مقالي الأسبوعي دون أن يعلق.. وسألني: لماذا لا أكتب في قالب واحد متصل؟ أجبته: بأني دائماً ما أميل إلى بث شجون الحياة ومواقفها من خلال فقرات متعددة، أحب أن أكتبها بهذا الأسلوب وإن تكررت المشاعر وبأسلوب آخر في مرات أخرى.. وفي النهاية إنما أكتب في قالب واحد متكامل يتحدث عن فصل أسبوعي من فصول حياتنا، بكلمات آمل أن تؤثر في قارئها وإن اختلفت مواقف حياته، فكل كلمة إنما هي مكملة للأخرى وإن تعددت الفقرات باختلاف المواقف. نحتاج إلى أن نقدر ذواتنا ونقدر الكلمات النابعة من قلوب صافية محبة للخير، ترى الحياة بمنظور مغاير عن عيون الآخرين.. فإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى.

* يحدثني صاحبي الذي اعتاد زيارتي بين الفينة والأخرى عن سرعة أيام الحياة وعن مفاجآتها التي تجعلك أحياناً في حيرة من أمرك تضطر معها أن تغير من حساباتك الحياتية.. تذكرنا هنا ما ورد عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل». وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك». رواه البخاري. هي الدنيا المليئة بمفاجآت الأقدار التي لا تعرف معها ماذا سيحصل لك الآن أو بعد لحظات.. تذكرنا معا الماضي والحاضر وفكرنا في المستقبل، وقررنا أن نمضي في ركب الحياة نلزم مسير الخير والصلاح والهداية ونحذر من سبل الغواية ومن إملاءات الفتن وما أكثرها.. نحافظ على علاقتنا القوية مع الباري الكريم التي جددنا معالمها في شهر رمضان المبارك، ونجعل أيامنا كلها طاعة وعبادة وفرح وسعادة، ونغتنم أيامنا في أعمال الخير وفي اللحظات الجميلة مع أهلنا وأحبابنا. أنت عابر سبيل في هذه الدنيا فاختر ما هو الأثر الذي ترغب أن تتركه أثناء هذا العبور السريع.. واختر المنزلة التي ترغب أن تكون فيها في الآخرة بعد أن مررت وتركت الأثر.. يا صاحبي مهما تكلمت عن سرعة الأوقات فثق أن بيدك أن تواصل ابتساماتك وفرحتك في المجتمع الذي تعيشه، فلا تلتفت إلى الوراء أبداً ولا تردد «الأيام سريعة» بل اعمل فيها في كل لحظة حتى تتمكن من تحقيق المقصود. جعلني الله وإياكم من أهل الخير، ووفقنا إلى ما يحبه ويرضاه وألبسنا لباس الصحة والعافية وجعلنا ممن طالت أعمارهم وحسنت أعمالهم.

* تفتقد بعض الأسر إلى تلك الجلسات الحانية الودودة التي يجتمع فيها شمل الجميع في ظل اختلاف انشغالات الأفراد في أيام الأسبوع. يجدر بالأسر ـ كما كانت الأسر في الماضي ـ أن تخصص لها يوماً في الأسبوع على الأقل لتجتمع فيه على مائدة الطعام، ومن ثم شرب الشاي والقهوة وأكل الحلويات وتبادل أطراف الحديث والسؤال عن بعضهم البعض، ومشاهدة البرامج المفيدة. وإن تيسر الأمر المبادرة للسفر والسياحة لأنها الجانب الأهم في تنمية العلاقات. فقد طغت على حياتنا وسائل التواصل الاجتماعي والانشغالات الحياتية حتى بات البعض يرى أفراد أسرته ساعات قليلة في الأسبوع.

* في بعض الأحيان تأتي صورة أحدهم في مخيلتك فجأة، فتحس أنك بحاجة ماسة إلى أن ترفع يديك بالدعاء لتدعو له بالخير، ثم ترسل له هذه الدعوات في رسالة نصية قصيرة.. تخبره عن مشاعرك وعن دعواتك المخلصة له بالتوفيق. مثل هذه المشاعر الرقيقة وهذه الأحاسيس يجب أن نتبادلها دائماً في أيام الحياة، فهي تترك أجمل الأثر في قلوب الآخرين.. والأجمل أنك ستشاركه الأجر. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من دعا لأخيه بظهر الغيب قال الملك الموكل به، آمين ولك بمثل. وفي رواية: «دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به، آمين ولك بمثل» رواه مسلم.

* عندما ترى ذلك العامل المجد البسيط الذي يعمل تحت أشعة الشمس الحارقة وفي مثل هذا الحر الشديد حتى يجمع قوت يومه القليل ليرسله لأسرته الفقيرة في بلاده.. عندما تراه وقد تصبب العرق من جبينه فما عليك إلا أن تحمد الله تعالى على ما وهبك من نعم كثيرة أهمها أنه قد حباك تلك الأعمال التي تعمل فيها في أجواء باردة، وتحمده أن حباك بأهل وصحبة تتزاور معهم، بخلاف أولئك الذين تغربوا وابتعدوا عن أسرهم وأصدقائهم لسنوات طويلة سعيا لطلب الرزق. حري بنا أن نحمد الله تعالى ونشكره على نعمه الكثيرة فالشكر إنما هو من أجل العبادات، بشكر بالقلب وشكر باللسان وشكر بالجوارح. وكلما سولت لك نفسك التضجر والتأفف من أوضاع الحياة وأوضاع عملك أو دراستك، فتذكر ذلك العامل الفقير المكافح.. وقل الحمد لله واسجد لله شكراً.

* يرى البعض بأن عطائه يقل كلما كبر سنه ونضجت شخصيته، وأنه في يوم ما سيركن إلى الراحة بعد التقاعد ليتفرغ لحياة الدعة والسكون دون هدف مرجو.. لنتذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نزل عليه الوحي في الأربعين من عمره وواصل يدعو الناس وينشر الخير حتى الرمق الأخير من حياته في الستين، وقد كانت هذه السنوات من أروع السنوات في تاريخ البشرية جمعاء حيث انتشر الإسلام ومبادئه السامية في ربوع العالم، وها نحن اليوم نحمل بحمد الله تعالى هذه الرسالة الخالدة ونقتفي أثرها وأثر النبي صلى الله عليه وسلم.. لذا فلا يفتر المرء في أي مرحلة من حياته، فإنما حيوية الإنسان تكمن في قلبه الذي يحمله في جسده حتى الممات، فلا يختلف العطاء بين مرحلة وأخرى من حياة الإنسان، فالهمة تدفع الإنسان لأجمل الأثر في حياة البشر في مختلف مراحله العمرية.

* ومضة أمل:

اللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربنا إلى حبك.