أبناء وطني دعونا نستفد من الخدمات المجانية التي توفرها الدولة مادامت تلك الخدمات متميزة وجيدة فذلك سيخفف كثيراً من الأعباء المالية الواقعة على الأسرة فنحن في زمن الغلاء وعلينا حسن استغلال الموارد

قبل أيام أصبت بجرح عميق تطلب نقلي سريعاً إلى أقرب مركز صحي، حبست أنفاسي واستجمعت كل ما آتاني الله من صبر ، فكيف سأحتمل التأخير والازدحام في المركز الصحي وأنا أعاني من هذا الألم الشديد ، فما زلت أذكر ازدحام المراكز الصحية بالمراجعين ، ومازلت أذكر طول الانتظار لأحصل على فرصة لمقابلة الطبيب أو أية خدمة أخرى، ورائحة «الحمام» المزعجة التي تفوح لتصل إلى الممرات مازالت عالقة بذاكرتي، ذكريات استرجعتها طوال الطريق، فمنذ سنوات لم أراجع المركز الصحي، على أي حال لم يكن هناك مجال للتأفف، فحدة ألم الجرح ستنسيني أية مضايقات.

دخلت المركز وعيناي تجول في أرجاء المركز بحثاً عن معين، أرشدتني إحدى الموظفات لغرفة المعالجة، وفوراً قامت الممرضة بتنظيف الجرح وتغطيته، ووضعت بيدي بطاقة صفراء بعد أن أخذت مني بطاقتي السكانية، وبالطبع لم يسمح لي الشعور بآلام الجرح أن أسأل عن هذه البطاقة الصفراء، أكملت مسيرتي في العلاج التي لم تستغرق خمس عشرة دقيقة. لا أخفي عليكم دهشتي من سرعة الخدمة وجودتها ومدى الاهتمام بي كمصابة، حتى ظننت أن هناك من اتصل بأحد المسؤولين بالمركز يوصيه بتقديم خدمات خاصة لي «واسطة»، عموماً حمدت الله على تيسير الأمور وخرجت من المركز.

كان لا بد لي من مراجعة المركز الصحي يومياً لعلاج الجرح، وهنا كانت فرصتي لأكتشف التغيير، تجولت في المركز لأتعرف على الخدمات، فقد لاحظت تغييراً كبيراً في مستوى الاهتمام بمرافق المركز، فرائحة النظافة تفوح من كل مكان، ولا أثر لرائحة «الحمام» المقرفة، أركان الخدمات في القاعة الرئيسية موزعة بشكل منظم وأنيق، ولفت نظري تلك الأجهزة الموضوعة عند جميع الأقسام لتنظيم طابور الانتظار، وجدتها عند الصيدلية ، عند «كونتر التسجيل»، عند المختبر.. إلخ . إنه تطور ملحوظ فعلاً.

أما عند المدخل فقد استوقفتني لوحات إرشادات عن خدمات المركز، ومكان تقديمها، فأسررتها في نفسي وقلت: رحم الله زماناً كنا نتجول في المركز لنبحث عن مكان تقديم الخدمة، وكم أدهشني غياب مشهد طالما عانينا منه وهو الازدحام على «كونتر التسجيل»، والازدحام في ممر ضيق لننتظر طويلاً فرصتنا لمقابلة الطبيب، حتى إنني كنت أجنب أطفالي مجرد المرور في هذا الممر خشية العدوى، استوقفت إحدى الموظفات وسألتها: المركز غير مزدحم بالمرضى كما تعودنا، أين الأهالي؟!!! هل هذا الهدوء بسبب إجازة الصيف؟

قالت: ازدحام؟!!! لا يوجد ازدحام فهناك خدمة الحجز الإلكتروني فالمريض يحجز موعد لمقابلة الطبيب مسبقاً، من خلال الموقع الإلكتروني، أو التطبيق الإلكتروني أو عبر الهاتف، وعليه الحضور قبل الموعد بعشر دقائق فقط.

سألتها: عندما دخلت المستشفى استلمت بطاقة صفراء، ماذا تعني؟

قالت : هو تصنيف للحالة فهناك ثلاثة ألوان من البطاقات وكل لون يعني أن نقدم الخدمة خلال مدة محددة.

هنا أدركت لماذا كنت أحصل على خدمة سريعة ومميزة. فقررت أن أستفيد من إحدى خدمات المركز، وهو الفحص الطبي الشامل لأمر بالتجربة كاملة، اتبعت الإجراءات، وبالفعل حصلت على عناية فاقت توقعي، ولعل أكثر ما أسعدني في التجربة اهتمام تلك الطبيبة البحرينية التي قابلتها، بنتائج الفحص وحرصها على تقديم الإرشادات الصحية.

واصلت جولتي في المركز لأجد لوحات التوعية والتثقيف الصحي تملأ أرجاء المركز، ووقفت طويلاً أمام شاشة التلفاز لأشاهد البرامج الصحية المعروضة، كما لاحظت الإعلانات عن الخدمات المجانية أو بقيمة رمزية مثل: فحص سرطان القولون المبكر المجاني، وخدمة فحص خدم المنازل والجميل أن هذه الخدمة تقدم صباحاً ومساء، فسألت أحد الموظفين: كم قيمة فحص خدم المنازل؟

قال: عشرة دنانير فقط.

سألت مندهشة: قيمة جميع الفحوص بعشرة دنانير فقط ؟!!.

قال: نعم.

ابتسم وقال: كثير من البحرينيين لا يستفيدون من خدمات الحكومة مع أن تلك الخدمات متميزة، ووزارة الصحة تعلن كثيراً وتروج لخدماتنا، ولكن يعزف الكثير منا عن الاستفادة من تلك الخدمات.

قلت: معك حق.

تأملت عبارة ذلك الموظف الذي قالها بحرقة : البحريني لا يستفيد من خدمات الحكومة، مع أن مستوى خدمات المركز الصحي يفوق مستوى خدمات المستشفيات والعيادات الخاصة، فلماذا لا نستفيد من خدمات متميزة مجانية تقدمها لنا الدولة؟ لعلنا تأثرنا بحديث المتذمرين عن مستوى الخدمة، والذين يضخمون أي تقصير أو سلبية، أو لأننا نتحاشى الاحتكاك بشريحة معينة من المجتمع، رفضا لسلوكياتهم التي لا نتقبلها، فنترك لهم الجمل بما حمل، ولربما لعدم معرفتنا بهذه الخدمات. ولعل بعضنا يتباهى بالعلاج في العيادات والمستشفيات الخاصة، تلك المشكلة لا تقف عند حد الاستفادة من الخدمات الصحية فقط بل إننا لا نستفيد من الكثير من الخدمات التي تقدمها الدولة مثل خدمة التعليم. أبناء وطني دعونا نستفيد من الخدمات المجانية التي توفرها الدولة مادامت تلك الخدمات متميزة وجيدة، فذلك سيخفف كثيراً من الأعباء المالية الواقعة على الأسرة، فنحن في زمن الغلاء وعلينا حسن استغلال الموارد، فإن كانت هناك صعوبات في الاستفادة من تلك الخدمات فلا بأس من تقديم المقترحات سواء من خلال الخط الساخن الذي توفره الحكومة «تواصل« أو أي وسيلة متاحة أخرى، فلا أظن أن الجهة ستتردد في قبول أي مقترح للتطوير ، ولكن كم هو مؤلم أن نرفض الاستفادة من خدمات مجانية تقدر بآلاف الدنانير لأسباب واهية، فدعونا نعد النظر ونعد حساباتنا للأمور.. ودمتم أبناء قومي سالمين.