لست أدعي المثالية، فكلنا بشر، ولكل واحد منا عيوبه، لكنني أجد لدي الجرأة لأقول بأنني وصلت لمرحلة «التصالح مع الذات» بحيث باتت «القناعة» بالنسبة لدي ليست ممارسة أو طبعاً أتطبعه، بل باتت جزءاً من تركيبتي، بالتالي نظرتي للعالم من حولي باتت مغايرة عما كانت عليه سابقاً، ربما عامل السن له دور هنا.

لكن مبعث كلامي اليوم بشأن ظاهرة ظللت أراقبها لمدة طويلة، ولم ألعب فيها دور المراقب فقط، بقدر ما كنت طرفاً فيها ذات يوم، لست طرفاً مرسلاً فيها بل مستقبلاً، والاستقبال هنا لما يصدر عن الآخرين.

إن كنت ممن يؤمنون بتوزيع الأرزاق والأقدار، فإن الكلام أدناه لن يغير لديك شيئاً من قناعاتك، لربما يعززها، لكنه لن يحل مشكلة لديك، لأنك في الأساس لا تعاني منها، لكنني أؤمن بأن نسبة البشر هؤلاء قليلة جداً، خاصة وأن تركيبة مجتمعاتنا باتت متأثرة بأمراض بشرية عديدة، على رأسها التطفل والحسد والغيرة ومحاربة الناجحين، ولربما تستغربون حينما أقول بأن وسائل التواصل الاجتماعي أصبح لها دور في ذلك، وهذا حديث آخر يستحق أن تخصص له مساحة.

لكن الدخول في صلب الموضوع يجعلني أطرح السؤال أعلاه بصيغته المباشرة «هل يزعجك نجاح الآخرين؟!».

هي ملاحظة يتكرر تدوينها لدي حينما أكون في محيطات العمل العديدة التي تنقلت فيها، حينما أكون في مجالس أصدقاء، وحتى حينما أكون في محيط العائلة بترامي أطرافها واختلاف أطباع أفرادها في كل بيت.

الملاحظة معنية بكيفية نظر البشر لنظرائهم من البشر، وهنا كنت أبحث عن نماذج ونوعيات من الناس تعبر عن فرحها وسعادتها بنجاح الآخرين، وأتحدث هنا عن فرح «حقيقي صادق» يمكنك أن تلمسه دون الحاجة لأجهزة ماسحة تكشف الكذب.

المؤلم أنني وجدت الواقع أشد إيلاماً، فالفرحة لنجاح الآخرين إما تكون زائفة مصطنعة أمام الناس، أو تكاد تكون شبه معدومة، في مقابلها ستكتشف بسهولة أن كثيراً من البشر «ينزعج» من نجاح فلان أو علان، حتى لو لم يكن يرتبطاً به بمعرفة مباشرة، تجد هؤلاء يحاولون التقليل من شأن الآخرين، بعضهم يشوه صورة البشر الآخرين متعمداً، وبعضهم ينسج الشائعات والأكاذيب، وبعضهم تكتشف فيهم غلاً وحقداً غير طبيعي، فماذا فعل هؤلاء البشر لهم؟! هل أخذوا رزقهم، هل نجاحهم أدى لفشل هؤلاء؟! إلى غيرها من الأسئلة التي لن تجد إجابة منطقية لها عند هؤلاء.

لذلك حينما نتحدث عن القناعة، فإننا لا نتحدث عن كبسولات دوائية تبتلعها فتتولد لديك القناعة، بل نتحدث عن صفة تتأصل في الإنسان حينما يكون شاكراً حامداً لله على وضعه، وعلى النعم التي يمتلكها، وبالتالي يكون مقتنعاً بما لديه، ويكون قلبه نظيفاً من الحقد والحسد، وهنا تجده يفرح لنجاح الآخرين، وحتى لو لم يفرح باعتبار ألا علاقة له بالموضوع، أقلها لن يكون لديه فعل مضاد متمثل بالحسد والحقد وتشويه صورة الآخرين.

كل مشكلتنا في المثل القائل «من راقب الناس مات هماً»، لأنه في المقابل ينسى نفسه وينشغل بغيره، وهذا الانشغال قد يضلله عن رؤية حقيقة الأمور، فكثير من الناجحين تعبوا على أنفسهم، واجتهدوا وثابروا، ولربما مروا بظروف عصيبة لا يعلمها إلا الله، ظروف قد تكون أصعب من ظروفك، وهنا الله هو موزع الأرزاق.

هذا المثال ذكرني بموقف جمعني مع شخص ونحن نتابع مباراة لكرة القدم، وكان يلعب فيها النجم الأرجنتيني الخارق ليونيل ميسي، وكان هذا الشخص صاحب الكرش الضخم المتهدل يشتم في ميسي، ويقول لي هذا اللاعب لديه ملايين الملايين وشغله فقط «يلعب تمبة»، ضحكت وقلت بأن هذا عمله، وهو مجتهد فيه، ولم يصل إلى مكانته إلا بسبب التزامه واجتهاده. فصرخ علي قائلاً: ما يستاهل! تعجبت وبسرعة رددت وقلت «لا أنت تستاهل»!

خلاصة القول تكمن في أن القناعة بالفعل «كنز لا يفني»، هذا أمر، والأمر الآخر لا بد وأن تدرك بأن نجاح الآخرين لا يعني فشلك، ولا يعني أنهم سرقوا منك شيئاً تملكه، لكل مجتهد نصيب، والمكسب الأثير للإنسان يكمن في نظافة قلبه، بالتالي ما المشكلة إن فرحت لنجاح الآخرين؟! يا أخي لا تفرح إذا لا تريد، لكن لماذا تكرههم وتحقد عليهم؟!

لم أنزعج يوماً من نجاح أحد، بل في عملي متعتي تكون بمساعدة الموظفين معي على النجاح والتفوق، هذا بالنسبة لي مكسب أثير، وحينما ينجحون فإن سعادتي لهم لا توصف.