هذه معادلة إدارية ثابتة، فالنجاح لا يصنعه لك إلا «الناجحون» في إدارتهم وفي عملهم، في المقابل «الفاشلون» في إدارتهم وعملهم لن يحققوا لك إلا الفشل المستمر، مهما حاولوا إيهام من حولهم وحتى الرأي العام بأنهم ناجحون، إلا أن الأرقام والمؤشرات ومستوى رضا الموظفين والعملاء وانتفاء نسب الفساد الإداري والمالي كلها عوامل «تفضح» زيف «الزائفين».

بالتالي استمرار «الفاشلين» والذين تتردى نتائج عملهم وكل مؤشرات الرضا في مواقع العمل، كمثل الرهان على «خيل بلا رجلين» في سباق، النتيجة هي الفشل الدائم.

وحي الكلام عائد لتغريدة إدارية سابقة منذ شهور أطلقها سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات، رئيس الوزراء، حاكم دبي، حينما قال بصريح العبارة إن عملية «رقابة إدارية» ستكثف بشأن القطاعات الحكومية المختلفة، وستركز على عمليات الإنجاز، ورضا العملاء، وتحقيق الأهداف، وأنه سيتم نشر «أفضل» خمسة قطاعات متفوقة في أدائها، و»أسوأ» خمسة.

الدارج في مجتمعاتنا العربية، أننا نطلق الشعارات، ونعلن تدشين مراحل لاستراتيجيات عمل مختلف، وتأخذ حقها في الصحافة والإعلام، لكنها ومع مرور الوقت تنتهي ولا يعود لها ذكر، بل قد يتساءل الناس: أولم يعلن المسؤولون قبل شهور أو سنوات عن هذا التوجه أو تلك الاستراتيجيات؟! فأين هي الآن؟! وهل نفذت، أم كانت فقط للاستهلاك الإعلامي؟!

لكن مع شخصية قيادية متمرسة في الإدارة كالشيخ محمد بن راشد، فإن انتظار تحقيق الوعود، وتطبيق الاستراتيجايت، وإعلان النتائج أمر مفروغ منه ومحسوم، وهذا هو العمل الإداري الصحيح، إذ لا يكفي الإعلان عن المعالجات والخطوات، بل لابد من تطبيقها والكشف عن نتائجها.

وهذا بالضبط ما حصل أمس، حيث نشر الشيخ محمد تغريدتين على موقع التدوين المصغر «تويتر»، نشر في الأولى رسوماً «إنفوجرافيكية» لأفضل خمس جهات عمل حكومية طبقت المعايير المطلوبة، وأسوأ خمس جهات، نشرها بالاسم الواضح والصريح.

التغريدة الأولى كتب فيها الشيخ محمد التالي نصاً: «الإخوة والأخوات، وردني اليوم تقرير التقييم الشامل عن مستوى الخدمات في 600 مركز خدمة حكومي، ووعدنا بإعلان أفضل خمسة مراكز وأسوأ خمسة مراكز، المركز الأفضل هيئة الهوية بالفجيرة، وأسوأ مركز في الدولة بريد الإمارات في الخان».

لكن الروعة ليست في الإعلان فقط بل في الإجراء، إذ أعقب سمو الشيخ محمد بتغريدة أخرى كتب فيها: «وجهنا بتغيير مدراء أسوأ المراكز فوراً، وإحلالهم بمدراء يعرفون كيفية التعامل مع الجمهور. ووجهنا بأن ينزل مدير عام الجهة أو الوزارة التي تتبع لها المراكز المتأخرة ليباشر عمله لمدة شهر من المراكز ويطور خدماتها، وسأزورهم. ووجهنا بصرف مكافأة راتب شهرين لكافة الفرق في المراكز المتقدمة».

هذه الواقعة تدرس عناصرها بحذافيرها، فتحديد الأهداف أولها، واحترام الجمهور من المواطنين ثانيها، ومراقبة الأداء ثالثها، والإعلان بشفافية عن النتائج رابعها، وتقدير المجدين المتميزين خامسها، وأهمها محاسبة المقصرين وإعفاؤهم من مواقع المسؤولية لأنهم لم يثبتوا أهليتهم وكفاءتهم لها، وأيضاً تحميل المسؤولية للمسؤولين الأعلى مستوى وتوجيههم بالنزول بأنفسهم على الأرض لإصلاح الخلل، مع التذكير بأن رأس الهرم سيزورهم بنفسه ليتحقق من العمل.

لا أجد أنني بحاجة لأن أضيف سوى بأن هذه تجربة ناجحة ينبغي الاستفادة منها، إذ كم من عمليات واستراتيجيات عمل لم تفضِ للنجاح بل للفشل، واستجلبت استياء الناس، سواء من عاملين داخل القطاع جراء فساد إداري فاضح للمسؤول، أو من قبل جمهور المتعاملين بسبب سوء الخدمات أو أقلها التعامل، ورغم ذلك ظل المسؤول الفاشل هنا وهناك في موقعه وكأنه لم يرتكب جريمة بحق الوطن والبشر؟!

تريدون النجاح في أي شيء؟! قوموا بتغيير الفاشلين في إدارتهم، السيئين في نتائجهم، اللاعبين بمقدرات القطاعات عبر الطغيان الإداري.

كلنا نريد أن ننجح، ولبلادنا أن تتطور وترتقي، لكن إن تركنا الأمر للمفسدين الفاشلين، فالبلد هي التي ستتراجع، وفقط مصالح هؤلاء هي التي ستزيد وتتعاظم.

الوطن أكبر من الجميع، وجريمة أن تتراجع قطاعات لأجل فرد أو اثنين من الفاشلين.