نكمل في هذا الجزء تحفظاتنا على المبادرة الروسية، ومن ذلك:

5- الهدف المركزي للمبادرة الروسية هو تفكيك مجلس التعاون، وتعويم عروبة الخليج بإيحاءات إيرانية بإنشاء منظومة أمن إقليمي على غرار منظمة الأمن والتعاون الأوروبية. لذا لم تعلن أي دول خليجية أو دولة معنية بأمن الخليج موقفاً إيجابياً من المبادرة.

6- منذ متى وضمان سلامة الملاحة في مياه الخليج من أولويات موسكو الاستراتيجية؟! لولا حديث الانسحاب الأمريكي، وما هي الخبرة التراكمية لدى الروس في حفظ أمن الخليج؟! فهل موسكو مؤهلة للقيام بدور الحافظ لأمن الخليج فيما فشلت في ذلك أوروبا والغرب المتواجدين فيه منذ قرون؟!

7- لا نعلم إن كان الطموح الروسي كافياً لنجاح الخطّة المقترحة فالصفقة معقدة، خصوصاً طلب الشفافية وتبادل المعلومات بين الأطراف المشاركة كبيرة العدد، مختلفة المصالح الأمنية والاقتصادية والسياسية. فسجل موسكو رغم حجمها لم يرتبط بقدراتها الدبلوماسية لحل الصراعات الإقليمية حتى مقارنة بدولة صغيرة مثل الكويت تؤمن بالدبلوماسية الإنسانية، بل لتعقيد الأمور والأنانية السياسية كما في سوريا وأوكرانيا. فقبل 80 عاماً بالضبط قال تشرشل روسيا لغز ملفوف في الغموض داخل أحجية، لكن ربما هناك مفتاح هو مصالح روسيا القومية.

8- في ديباجتها تحدثت المبادرة عن أمن الطاقة والإرهاب، ولم تتحدث عن إيران كخطر على الطاقة ولا ميليشياتها الإرهابية ولا ذكر للمفاعل النووي، بل لم تشر إلى قدرتها على الضغط على طهران كورقة لتسويق المبادرة، بل جاءت لتنقذ إيران من الضغط الأمريكي.

9- من المريب في المبادرة تهميش الخليجيين إلا في إشارات عامه، بل مساواتهم مع إيران في خلق الأزمات. وطرح مفردات عن تسوية للأزمات بسوريا واليمن والعراق والتسويق لسلام يخدم مصالح جميع الأطراف. ثم تنبهت لوجود الخليجيين فتذكرهم حين اقترحت توفير المساعدات الإنسانية للدول المحتاجة بهدف تسوية الأزمات واستقرار المجتمعات المحلية!

10- تقترح المبادرة ضمن بنودها الخمسة عدم نشر قوات لدول من خارج المنطقة على أساس دائم على أراضي دول الخليج، مما يعني أن نلغي مبادرة إسطنبول والاتفاقيات الأمنية مع أمريكا وفرنسا وبريطانيا ونفكك القواعد في قطر والبحرين والكويت ونهدم البعد الاستراتيجي الذي قام منذ قرنين لحفظ أمن الخليج.

11- تعطي بنود المبادرة الإيحاء بأنها بديل روسي للمشروع الأمريكي «الشرق الأوسط الكبير» الذي أنجبته كوندوليزا رايس بعد هجمات 9 /11، لكنها رحلت قبل أن ترضعه فمات. فهل هو خيار خليجي جيد أن نخرج من المؤامرة الإمبريالية الكبرى إلى الهيمنة الروسية؟! ومن مركب على جناح النسر الأمريكي المحلق عالياً، إلى حضن الدب الروسي الرطب؟!

12- كما تقفز لذهن المراقب الخليجي فكرة أن المشروع الروسي هو امتداد لفكر ثلاثي أستانة «روسيا وتركيا وإيران» أو ما يسمى الإطار الأوراسي الاستراتيجي، الرافض للعقيدة النيوليبرالية، الراغبة في إقامة نظام دولي متعدد الأقطاب، يقوده وهم الإرث السياسي لثلاث إمبراطوريات، تمثل ثلاث عقائد دينية تقليدية هي الأرثوذكسية الروسية والتصوف الإسلامي والمذهب الشيعي. وكلها ذات طموح تاريخي في الخليج.

13- إن المبادرة الروسية ترميم لصورة روسيا العظمى التي تشوهت بضم شبه جزيرة القرم 2014، ومساواة سوريا بالأرض 2015، فالحدثان أعادا موسكو لمشهد العلاقات الدولية، لكن بوجه متوحش، فترسيخ وضع روسيا كمركز نفوذ في العالم، وتحقيق مقولة بوتين «حدود روسيا لا تنتهي أبداً» تتطلب بعض القوة الناعمة.

14- يشبّه مراقبون الخطوات الروسية عبر مبادرتها لأمن الخليج بخطواتها للانخراط في الأزمة السورية، فقد وضعت موسكو موطئ قدم في سوريا بنفس الطريقة التي تريد توظيفها الآن في منطقة الخليج.

* بالعجمي الفصيح:

لا شك أن موسكو هي الوحيد القادرة على لجم طهران سلمياً، لكن على روسيا أولاً تقديم أوراق اعتماد جديدة للخليجيين غير المبادرة الراهنة التي تحمل في ثناياها تفكيك مجلس التعاون وتدويل الخليج العربي بشرعنة وجود الطامعين فيه.

* كاتب وأكاديمي كويتي