رحم الله أبا وائل الأستاذ علي سيار الذي فتح الباب على مصراعيه لجيل من الكتاب والصحافيين وكان مدرسة لقنتهم أبجدية الإعلام الحر وأنا منهم.

أين تجد الآن كبيراً يفتح الباب ويمنح الفرصة لمن ينتقده؟ ذلك كان الدرس الأول الذي تعلمته من أبي وائل، الذي بدأت علاقتي به برسالة أرسلتها في البريد انتقدت فيها مجلته «صدى الأسبوع» نقداً لاذعاً عنيفاً شبهتها فيه بمجلة «الشبكة» و«الموعد» وتلك كانتا مجلتين مخصصتين لمتابعة أخبار الفن في العالم العربي، وصدى الأسبوع وعلي سيار قلم عريق جريء معروف سبق أن أصدر مجلتي الوطن والقافلة قبل صدى الأسبوع، فكان ذلك نقداً لاذعاً كتبت له حسبما أذكر إذ كان ذلك عام 1985«إنه من الصعب أن تحصل على ترخيص لمطبوعة في البحرين وأنت لديك هذا الترخيص لمجلة صدى الأسبوع، ومن الصعب أن تمتلك الخبرة الصحافية في دولة مطبوعاتها محدودة كما هو الحال في البحرين، وأنت لديك هذه الخبرة لكنك مع الأسف تهدر هذه الفرصة الثمينة التي لديك بترك المجلة التي نعتمد عليها كمواطنين وتهملها بابتعادها عن الشأن المحلي وانشغالها بما هو غير مهم ولا يعنينا كقراء والبلد بحاجة لمن يكتب عنها»

لم أكتب اسمي فقد كان مجرد تفريغ شحنة وإبداء رأي، بل كتبت س ع ش هذا أول عهدي بالصحافة، وفاجأني أنه لم يكتفِ بنشر الرسالة بل كتب تحتها معلقاً إعلاناً في مربع أسود الرجاء من الأخ «س ع ش» التواصل معي وإن أراد أن يكتب في المجلة فليتفضل لأني وجدت في أسلوبه صحافة أيام زمان!!!

ترددت في مقابلته وترددت في الاستجابة لطلبه رغم إغواءاته وتحديه لي وحرجي منه، أخذني زوجي لمكتبه وحين دخلنا عليه اعتقد أنها زيارة ودية أو زيارة لها علاقة بمبيعات السيراميك لمتجره الذي يحتل مكاناً بارزاً في شارع المعارض، وفوجئ حين علم أنني أنا من كتب الرسالة اعتقد أنها لرجل، ثم وضعني في امتحان آخر فقال تريدين أن تكتبي في الشأن المحلي؟ قلت له صحيفتك هي التي يجب أن تعنى بالشأن المحلي، فقال من ينتقد عليه أن يبدأ بنفسه، اكتبي لنرى ماذا ستكتبين، ثم التفت على محتويات مكتبه والتقط كتاباً ثقيلاً كأنه دليل الهاتف وكان التقرير السنوي لغرفة التجارة والصناعة البحرينية فقال لنرَ ماذا ستجدين في هذا التقرير ما يستحق الكتابة، حملته وخرجت وأنا في غاية الخوف والإحساس بأنني في امتحان لمقرر تعلمت فيه أهم الدروس، أن من ينتقدك لقصورك اعطهِ الفرصة كي يكون مكانك ولنرَ سوياً ماذا سيفعل، وها هو ينشر نقدي ويمنحني الفرصة للكتابة.

ثم كان الدرس الآخر وهو ليس الكلام كالفعل، ها هو شأن محلي هام ومعقد تقرير لمؤسسة مدنية هامة أرينا ماذا ستكتبين فيه؟ إن كنت ممن يهتم بالشأن المحلي!

بعد أسبوع عدت لمكتبه ومعي أول مقال سينشر باسمي ووفى بوعده ونشره، وبعد صدور المجلة بيوم اتصل بي وقال تعالي واحضري معك صورة شخصية لك لأن رجال السوق يعتقدون أنني علي سيار من كتبت المقال باسم مستعار حتى يتجنب الحرج مع رئيس الغرفة فالمقال كان لاذعاً وبه نقد شديد اللهجة تجاه ما رايته من إهمال في المال العام!

كانت تلك شهادة للتخرج من الصف الأول في مدرسة الصحافة البحرينية منحني إياها أبا وائل بتقدير امتياز حين قال بأن كتاباتي الأولى تشبه إلى حد كبير كتابات الأستاذ علي سيار، ثم نشرت المقال الثاني ومعه صورتي وتعرفون بقية الحكاية.

تلك كانت المدرسة السيارية التي أعطتني أنا والعديد من زملاء المهنة الترخيص الأول للمزاولة، وتعلمنا فيها دروساً لن تجدها في مقررات الإعلام المنهجية مدرسة الارتجال والعفوية والرسالة المباشرة والوضوح، مدرسة يثق بها المدرس بنفسه فيعطي الفرص لتلاميذه كاملة دون شعور بالتهديد أو الخوف من التهديد الذي يشعر به الأستاذ من نجاح تلاميذه وصعود نجمهم، إنها عملة نادرة في أيامنا هذه، رحم الله الأستاذ علي سيار وأسكنه فسيح جناته وألهم عائلته وأصدقاءه ومحبيه الصبر والسلوان.