حتى قبل سنتين من الآن كانت التساؤلات عن مستقبل مجلس التعاون تنحصر في ثلاثة؛ هل يستمر المجلس بنهجه الحالي؟ أم يتحقق الاندماج السياسي والاقتصادي؟ أم يتفكك ويتراجع؟ وبسبب طغيان التفكير السالب على الأغلبية صار التركيز أكثر على التساؤل الثالث إلى حد أن البعض صار يجزم بأن المجلس في طريقه للتفكك والتراجع وأن نهايته قريبة. زاد من ذلك حالة التخبط التي تعيشها قطر التي صار يصدر عنها في كل ساعة «فنتك» جديد وصار يطربها تغريدها خارج السرب.

اليوم كبر التساؤل عما إذا كان مجلس التعاون يقترب من نهايته بسبب سلوك قطر وضربها عرض الحائط كل الاتفاقات والتوافقات السابقة وكل ما وقعت عليه وبصمت بالعشر.أما الجواب الشافي فجاء في العديد من المقابلات التي أجريت أخيراً مع الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة، وزير الخارجية والذي اختصره في قوله للزميلة «الأيام» أخيراً «خط الرجعة بيدهم، ولسنا مهتمين متى يقرروا أن يتراجعوا عن سياساتهم، ولسنا بحاجة لهم، ولا يملكون أي دور حيوي في منظومتنا الخليجية، وحتى من قبل الأزمة لم يكن للدوحة أي دور فاعل، بل دور مخرب.. وعلاقاتهم مع النظام الإيراني الذي يعتبرونه – رغم سلوكه وأنشطته – أقرب إليهم من محيطهم الخليجي الذي تمتد فيه عروق شعبهم ووطنهم»، وفي هذا ما يكفي للتوصل إلى الاستنتاج بأن مجلس التعاون باقٍ وأنه سيستمر في حالة انسحاب قطر أو طردها منه وفي حالة بقائها فيه، أي أن الربط بين الموضوعين مخل.

حكمة رعاة المجلس الخمسة تمنعهم من اتخاذ قرار بطرد قطر من هذه المنظومة الخليجية المهمة، لهذا فإن الخيار المتوفر هو تحمل وجودها على مضض حتى تأتي اللحظة التي تفيق فيها من سكرتها وتتأكد بأن الحضن الخليجي أهم وأكثر دفئاً من الحضنين الفارسي والتركي وكل حضن أجنبي، ويكفي أن تلك الحواضن تأخذ مقابلاً على ما تعطي بينما الحضن الخليجي يعطي بدلاً عن أن يأخذ.

اليوم أيضاً صار الكثيرون يعتقدون بأن قرار قطر استمرارها في منظومة مجلس التعاون هو بهدف تخريبها وإعاقة عملها وإلا لاستغلتها في التراجع عن انفلاتها ولعادت إلى الحضن الخليجي سريعاً. قطر لم تعد تلتزم بأي قرار لمجلس التعاون حتى لو شاركت في اتخاذه، ليس هذا فحسب وإنما لم تعد تلتزم بأي قرار عربي بدليل موقفها الشاذ من الذي يحصل حالياً في شمال سوريا حيث وقفت «أشكره» إلى جانب العدوان التركي وسارع أميرها إلى مهاتفة أردوغان والإعلان عن ذلك.

مجلس التعاون سيستمر، وأعضاؤه الخمسة سيواصلون العمل على تحقيق التنسيق والتكامل والترابط فيما بينهم في جميع الميادين.. وصولاً إلى الوحدة، وسيعملون بقوة أكبر على تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بينهم وكذلك بين شعوبهم في مختلف المجالات، ولن يتأخروا عن الوصول إلى اللحظة التي تصير فيها أنظمتهم في كل الميادين متماثلة.

ما يحز في النفس اليوم وعند الوصول إلى تلك اللحظة التي تأمل شعوب التعاون أن تكون قريبة هو استمرار النظام القطري في اعتقاده بأن ما يقوم به هو الصح، وما يحز في النفس أكثر هو أن الخسارة الأكبر ستكون من نصيب الشعب القطري الذي لا ذنب له ويرفض أن تودع بلاده منظومة التعاون بقرارها أو بقرار من المجلس.

المواقف السالبة للنظام القطري واعتقاده بأن في التغريد خارج السرب تميز يؤذي الشعب القطري وقطر الدولة ويسيء إلى منظومة التعاون والمنظومة العربية. المثير في كل هذا هو أن الشعب القطري لا يزال يعتبر نفسه غير مؤهل للتصدي للنظام المختطف لقرار بلاده.