في مقالات سابقة عرضت تقنية «GAN»، ودورها في خلق وجوه لشخصيات افتراضية تحاكي الواقع، بحيث تصمم الوجه حسب المواصفات التي تريدها. ولكن ذلك مجرد عالم افتراضي، والشخص الذي صممته لن يكون له وجود على أرض الواقع، فقط في الصور والفيديو، وبحد أقصى في صناعة قناع له بالطباعة ثلاثية الأبعاد. أما الآن، فلعلك تصمم مولودك كما تريد. أعلم أن الفكرة ليست مفاجئة بالنسبة لك، فذلك حلم بشري كانت قد غازلته أفلام الخيال العلمي حيناً، والدراسات العلمية النظرية حيناً آخر، أما الآن وقد أصبحت الأبحاث مختبرية وأكثر جدية، فقد أصبح التعديل الوراثي الجيني التحسيني أمراً قريب التحقق، خلال عقد من الزمان أو أقل، ما يعني إعادة هندسة البشر.!! وذلك من خلال ظهور تقنية كريسبر كاس القائمة على التعديل الوراثي الجيني.

ورغم أن الأبحاث الرئيسة قد أجريت لهذه التقنية في سياق علاج الأمراض أو الوقاية منها، إلاَّ أن ذلك يبشر أيضاً بثورة تعديل جيني تحسيني مرتقبة، فالآلية نفسها تقريباً، وقد نجحت الأبحاث والتجارب بتحويل فرو الفئران البيضاء إلى اللون الأسود. وسيكون متاحاً قريباً، تصميم مولودك على ذوقك، واتخاذ صور رائعة لطفل رائع دون الحاجة لـ»الفوتوشوب» أو «فلتر»، فهو تصميم حقيقي ملموس، وليس على مستوى الشكل الخارجي فقط باختيار لون العينين والشعر أو لون البشرة، بل يمتد ذلك لتحديد كثير من الموروثات في سمات القوة البدنية كقوة العظام والبنية أو في القدرات الذهنية المولدة للذكاءات المتعددة أو جميعها.

يدعونا ذلك لإطلاق أعنة عقولنا والتحليق في آفاق الخيال العلمي، تُرى هل يمكن أن يظهر ما يمكن تسميته «الابتكار في الهندسة البشرية» مثلاً؟!! لعلها فكرة مجنونة لو عرضتها عليكم، ولكني بت موقنة أن الجنون أول مراحل التطور الحضاري، فكل الأفكار التي بدت في أول الأمر مجنونة أصبحت اليوم تطوراً هائلاً يضاف لرصيد حضارته. وكمثال على الابتكار في الهندسة البشرية التي أقترحها، دعوني أشرح فكرتي بأريحية، فإذا كانت تقنية كريسبر كاس تقوم على اقتطاع جزء من الحمض النووي وإمكانية استبداله بجزء آخر من حمض نووي مقترح حسب التسلسل المطلوب، فقد تكون تلك القطعة المضافة من حمض نووي مصدرها بشري أو حيواني أو نباتي، وبانتقائية شديدة. وكما يمكن أخذ جزء من حمض نووي بشري يحمل جين الذكاء مثلاً، يمكن أخذ حمض نووي حيواني لأسد أو نمر مثلاً بحيث يحمل جين القوة البدنية الهائلة، كما يمكن أخذ حمض نووي نباتي لوردة ما بحيث يحمل جين الرائحة العبقة لتلك الوردة، بما يفضي لتصميم إنسان بذكاء عالٍ، وبقوة الأسد، ويعرق عبق الورد، فضلاً عن السمات الجمالية التي سيتم تحديدها بعناية أيضاً.

* اختلاج النبض:

في حال توصلنا إلى ما أسميته افتراضاً «الابتكار في الهندسة البشرية»، هل سنكون أمام خلق جديد آخر يمثل خليطاً من كائنات حية مختلفة؟! ما يعني قدرة الإنسان على الخلق والتصوير ولو من خلال النسخ، بمعزل عن بث الروح التي لم يجد إليها العلم سبيلاً حتى اليوم.