التعصب بالمفهوم العام يعني انغلاق الفرد على نفسه والتحيز الأعمى لرأيه أو مذهبه ورفض للآخر وكراهيته وتسفيه أفكاره، والمتعصب فرداً كان أم جماعة ينظر إلى المجتمع نظرة سلبية مليئة بالحقد والكراهية ويتهرب من الحوار، ولا يقبل فكرة التعايش السلمي مع الآخرين.

لذا يجب أن يكون التعصب الديني الطائفي أو المذهبي ظاهرة منبوذة عندنا في مملكة البحرين، وذلك لأن قادتها وأهلها منذ القدم يعرفون بالتسامح والسلام، حيث كانت البحرين ولا تزال تحتضن هذه القيم الإنسانية التي جعلت ثقافتها العربية الإسلامية تقوم على قبول الآخر، فكرياً وثقافياً وطائفياً ودينياً، وعاش فيها الجميع بأمن وسلام على مر الزمان، ولذلك جاء المشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، عاهل البلاد المفدى، حفظه الله ورعاه، لكي يجسد هذه القيم الإنسانية ويضع البحرين في مسارها الصحيح ودائماً ما يؤكد جلالة الملك في خطاباته في كل المناسبات على ضرورة التمسك بهذه القيم.

لذا ينبغي على الجمعيات السياسية والإسلامية خاصة أن تقوم بدورها وتوعي الشباب بهذه القيم، خاصة في عصر انتشرت فيه وسائل التواصل الاجتماعي، لا أن تسلك مساراً آخر يهدد وحدة الوطن وتنتشر فيه أفكار التعصب المذهبي بين الشباب المتحمس، خاصة أن هذه المرحلة هي مرحلة البحث عن الهوية جعلت بعضهم يقومون بأدوار لا تناسبهم وأخذ بعضهم يصدر الفتاوى الدينية للناس دون مستند وأصبحت بعض الجوامع والمساجد تحتكر من قبل جماعة دينية معينة، واستفحلت الظاهرة بين الشباب لدرجة أن البعض يلقبونهم عندما يحدثهم زملائهم، «يا شيخ فلان»، كيف أصبح هذا الشاب في مقام «الإمام» الذي جعلهم يلعبون بعقول الناس العاديين يحللون لهم ما يشاؤون ويحرمون ما يشاؤون، وكل ما ظهر جديد قالوا عنه إنه حرام أو بدعة، لذا لا بد للعلماء الكبار ولمصلحة الوطن الذي ظل لفترة طويلة يعاني من هذه الظاهرة التي تضر بوحدة الوطن، عليهم مسؤولية كبيرة في توعية هؤلاء الشباب سواء أكانت مؤسسات رسمية مثل دائرتي الأوقاف السنية أو الجعفرية أو غير الرسمية.

إن التعصب الطائفي والمذهبي له الأثر الكبير في تشويه صورة الإسلام أمام العالم، وتذكر الدراسات أن من الأسباب الجوهرية للتعصب: ادعاء الحق المطلق حيث إن كل فئة أو متبعي مذهب معين يدعون أنهم يملكون الحقيقة المطلقة وأنهم على الصواب وغيرهم من الفرق الإسلامية الأخرى على الباطل، يقولون ذلك في مجالسهم الخاصة، أما أمام الناس فيدعون أنهم ينشدون وحدة الوطن وقد يكون للحق الواحد أوجهاً عدة من الصواب، الأمر الذي يؤدي إلى رفض سنة الاختلاف والنزوع إلى الإقصاء والعنف.

إن الدين الإسلامي هو الدين الصالح لكل زمان ومكان والمتمثل في هذا القرآن الكريم المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وهذا الكتاب هو المعجزة العالمية والأبدية لهذا الدين حيث يقول الحق عز وجل: «اليومُ أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام ديناً»، «المائدة: 3». والسنة النبوية الشريفة كما جاء في الحديث الشريف أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «تركت فيكم أمرين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي: كتاب الله، وسنة نبيه»، صلى الله عليه وسلم، رواه الإمام مالك في كتابه.

كذلك هذا الدين هو دين عقيدة وشريعة تمثلت العقيدة في كتاب الله وهو القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وهما مقدسان لا يجب المساس بهما، أما في القضايا التي لم ترد لا في القرآن أو السنة فهناك مصدر ثالث للتشريع وهو مجال الاجتهاد من العلماء في بعض الفروع لأن الفروعَ محل رأي واجتهاد والذي صدر منه هذا الاجتهاد إن أخطأ له أجر وإن أصاب فله أجران، وفي كلتا الحالتين هو ليس بمقدس أومنزه عن الخطأ، ولذا نجد أن هناك مذاهب وفرقاً دينية عديده في الإسلام، وهذا التنوع في الطرائق لعبادة الله يثبت أن هذا الدين صالح لكل زمان ومكان، وهو دين يخاطب العقل ولهذا لم يصدر عن الصحابة أو الأئمة الأربعة أو التابعين أو تابع التابعين أن كفر بعضهم بعضاً أو حتى اختلفوا في الأسماء والصفات الإلهية وتوحيد الله فقول الواحد في ذلك هو قول البقية.