لم تهدأ جزر البحرين، إن لم يهدأ أرخبيل جزر البحرين كله من كثر وعدد الرحالة والمؤرخين واستطلاعات المستشرقين والقباطنة على مدى العصور والأزمنة، للوصول إلى هذه المنطقة الاستراتيجية في وسط الخليج العربي. فقط سجلت كتب التاريخ ومصادر التدوين أن البحرين ظلت ولا تزال هي موقع هام على الخريطة الجغرافية الخليجية والعربية. البحرين تحمل في تحت رمالها وبين تلالها حضارة دلمون العجيبة ومستوطنات على شكل مدن و نمط حياة، والتي لا تزل لغزاً عجيباً لم يفك أسراره كاملة لحين اللحظة. تم تسمية جزر البحرين باسم «تايلوس» من قبل من قبل الإغريق حينما قدم «نيرخوس» لاكتشافها، تنفيذاً لأمر الإسكندر الأكبر، وكانت تايلوس مركز تجارة اللؤلؤ الأصيل خلال فترة ليست بالقليلة. في حين سميت جزيرة البحرين باسم «تايلوس»، وقد سميت جزيرة المحرق باسم «أرادوس». كما وتجدر الإشارة إلى أن مدينة عراد الواقعة في محافظة المحرق الآن أخذ اسمها من ذلك المسمى. أما بخصوص أسماء في ذاكرة البحرين، ولعل السبب الرئيس وراء دراسة واستعراض أسماء في ذاكرة البحرين، هو أنهم سجلوا «كتابة ونقلاً»، لمشاهد من الماضي لم تسجلها آلة تصوير أخرى. فمنها ممكن معرفة نمط العيش خلال القرون الماضية، فضلاً عن نمط التعاملات اليومية. فعلى سبيل المثال وليس الحصر، فقد صور تاجر المجوهرات جاك كارتييه عبر آلة تصوير لم تصوره وثائق أخرى الذي جلبها معاه من فرنسا خلال العام 1911. تاريخنا القديم عميق ولم يوثق بشكل دقيق، اللهم إلا ما جاء في أخبار قليلة وأشعار نادرة ووثائق مفرقة هنا وهناك ورحلات قليلة قدمت من الغرب، فكتبوا ما شاهدوه وكانت مشاهداتهم قليلة بسبب ضيق الوقت واضطرارهم للتنقل السريع من بلد إلى بلد. كذلك عدم معرفتهم باللغة العامية الخاصة بكل منطقة من مناطق الجزيرة العربية التي زاروها يجعل الأمر صعباً للغاية ولكنهم كتبوا وجمعوا لنا، وبعضهم رسم بعض الآثار وآخرون وضعوا خرائط استفاد منها من أتى من بعدهم. وبخصوص استعراض أسماء رحالة وأدباء وساسة في البحرين القرن السادس عشر حتى القرن الحادي والعشرين الميلادي، فيمكن تقسم هذا المشد إلى فريقين. الأول رحلات أوروبية نقلت الرحالة إلى البحرين، منهم البرتغالي ديورات باربوسا «1518»، بيدرو تكسيرا عام «1604»، لكارستن نيبور – الهولندي إذ كونه من أقدم الرحالة الأوروبيين خلال العام 1764-1765، الرسامين الإنجليزين «روجور ورانكس»، ثيوجين بيج - القبطان الفرنسي بوثائق فرنسية تعود إلى عام 1842، جيمس ولستد، أر بليو ويش 1860، ويليام غيفورد بالغريف العام 1862-1863، صموئيل زويمر في البحرين 1867 – 1952، جاك كارتييه في البحرين العام 1911-1912، ج. لوريمر.

أما بخصوص رحلات شرق أوسطية نقلت أيضاً عدد من الرحالة العرب والذي منهم الرحالة الأديب أمين الريحاني. كان الرحالة الأديب أمين الريحاني قد عاد من بلاد المهجر وهي البلاد الأمريكية، وكان محملاً بأحلام الوحدة العربية وأفكار ذات علاقة بالقومية للعرب. عمل على تقريب وجهات النظر بين أقطاب العالم العربي والاتجاهات ذات علاقة بالوحدة العربية حينها. أقام الرحالة الأمين الريحاني في بلدة الفريكة في البلد اللبناني فترة من الزمن، ثم غادرها إلى رحلة عربية شملت عدد من الأقطار العربية. بدأت رحلة الأمين الريحاني بزيارة إلى الحجاز، وقد استخدم الدواب للتنقل بين بلدته إلى الحجاز ثم اليمين وبعدها استخدم البحر للوصول إلى البحرين عندما أراد الوصول إلى منطقة الأحساء. في حقيقة الأمر، وصل الأمين الريحاني إلى البحرين بحراً خلال شتاء 1922، حيث أذهلته البحرين... كان يظن أنها جزيرة صغيرة لا أهمية لها في بحر الخليج العربي، لكن تبدلت وجهة نظره حين وصوله لها. وجد الأمين الريحاني المحرق جزيرة ذات عمران مميز وثقافة وأدب وأسواق وتجارة وحضارة أيضاً. في الحقيقة لقد زادت دهشة الرحالة الأديب الريحاني عندما رأى بوادر لمبنى مدرسة الهداية الخليفية في المحرق. ولكن الأهم هو أن الأمين الريحاني كان قد زادت دهشته عندما رأى أن مدرسة الهداية تقدم بعض علوم، والتي كانت تعد من المحرمات في مواقع أخرى في منطقة الخليج العربي، إن لم تكن من علوم من بواعث الكفر والضلال. وجد في مدرسة الهداية المعلمين من جنسيات عربية من العراق ومصر ونجد أيضاً. في خضم هذه الزيارة التي تمت خلال 1922، ذهب الأمين الريحاني إلى حاكم البحرين حينها وهو الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، حيث زاره في مجلسه في المحرق. وقد وثق ما كتبه الأمين الريحاني عن زيارته ولقائه مع الشيخ عيسى بن علي في المحرق. بعد ذلك قام الأمين الريحاني بزيارة إلى مجلس الشيخ إبراهيم بن محمد آل خلفية «شيخ أدباء البحرين» وهو من أبرز مثقفي البحرين آنذاك. نرى ما كتبه الأمين الريحاني عن زيارته ولقائه مع الشيخ الأديب إبراهيم بن محمد بن خليفة في المحرق. بعدها قام الأديب الرحالة الريحاني بزيارة إلى النادي الأدبي بالمحرق، وكان يقع في موقعه الأصلي في المحرق. لقد لقي الأمين الريحاني بكل حفاوة وتكريم بالغين عند الزيارة إلى النادي الأدبي في المحرق، وقد قام أعضاء النادي احتفالاً أدبياً ضخماً خلال تلك الزيارة... حيث أدى وشارك عدد كبير من أدباء البحرين ومثقفيها بهذا الاحتفال احتفاءً بزيارة الأديب الرحالة الأمين الريحاني للنادي الأدبي في المحرق. خلال زيارة الريحاني للنادي الأدبي، تم إلقاء أكثر من 10 خطب وعدد أربع من القصائد الشعرية. شارك كل من الأديب ناصر الخيري ومحمد صالح خنجي والمؤرخ سلمان التاجر. في بداية الاحتفال قام عبدالعزيز العتيقي الذي كان مديراً لمدرسة الهداية بإلقاء كلمة الترحيب، وهي كلمة عن رئيس النادي الأدبي الشيخ محمد بن عبدالله آل خليفة. ومن المواقع الأخرى التي زارها الأمين الريحاني في المحرق، هي مدرسة الهداية الخليفية، لكن يجب الإشارة إلى أن الريحاني كان قد زار المبنى «المؤقت» لمدرسة الهداية في جنوب مدينة المحرق وهو بيت إبراهيم بن علي الزياني. في مدرسة إبراهيم بن علي الزياني، كان المدير الذي عينته الإدارة الخيرية للتعليم حينها هو الأستاذ عبد العزيز العتيقي. بطبيعة الحال، لقد رحب طلاب مدرسة الهداية بالضيف الزائر وألقيت كلمة باسم طلاب مدرسة الهداية حينها، حيث ألقى الطالب أحمد بن علي موسى العمران كلمة باسم التلاميذ. وبطبيعة الحال، هذا فيض من كم كثير عن ما تتصفه جزيرة المحرق من أرث أدبي ثقافي والتي أثارت دهشة الأديب الرحالة أمين الريحاني.