لطالما أحببت الرسم بمختلف أشكاله، ودائماً أنا على قناعة بأن اللوحات الفنية تعالج بين تفاصيلها ما تعجز اللغة والكلام من تقديمه، يقول الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو «علاقة اللغة بالرسم علاقة لا متناهية، لأن الكلمة غير كاملة وتقع إزاء المرئي في عجز تجهد عبثاً لتجاوزه، لأنهما لا يُمكن أن يُختزل أحدهما الآخر، فعبثاً نقول ما نراه، لأن ما نراه لا يسكن أبداً فيما نقول، وعبثاً عملنا على أن نجعل الآخرين بالصور والاستعارات والمقارنات يرون ما نقوله الآن» ومن هنا تعتبر لغة الفرشاة والألوان لغة صعبة وفي نفس الوقت شفافة، صامتة ولكنها معبرة، لغة بين الفنان والأشياء ولكنها مكونة من حالات نفسية تختلف قراءتها من شخص لآخر.

مجموعة اللوحات الفنية للفنانة التشكيلية الشيخة هلا بنت محمد آل خليفة في معرضها الفني «أينَ نجْلِسُ» بعمارة بن مطر تفسر جزءاً مما يدور في العقل الباطن، تلك الألوان الجريئة المتداخلة بين الكرسي والأجساد لتعبر عن حالة القلق والصراع بين الذات والظروف والأمل من بعد الانتظار.

إن رمزية الكرسي وارتباطه بحياة الإنسان ليكون في بعض الأحيان الرفيق وأحياناً محطة للراحة من بعد العناء وأحياناً رمزاً للمكانة الاجتماعية أو قد يكون دليلاً على السلطة أو منبعاً للإبداع والانطلاقة أو يمتد في معناه ليكون مصدراً للمعاناة من أجل الحرية.

إن ما يميز أعمال الفنانة الشيخة هلا بعدها الإنساني الذي يتعدى حدود الزمان والمكان، ليعبر عن مواضيع تصلح لكل حين، واختيارها لموضوع الكرسي يدل على المرور بمواقف تجعلنا أحياناً ننتبه لوجود الأشياء من حولنا وأحياناً نهملها ولا نفكر بها ولا تخطر في بالنا ونتعامل معها كمسلمات، رغم أهميتها التي لا تتجلى لنا إلا في حالات معينة.

إن فكرة الكرسي قلما يتناولها الفن العربي بهذا العمق، فاختيار الكرسي في اللوحات الـ8 لفتة لمواقف مر بها الإنسان وربما رسالة للالتفاف للنعم التي ينعم بها أو بمواقف جعلته ينتبه لوجود أشياء من حوله يهملها أحياناً ولا يفكر بها ولا تخطر في باله ويتعامل معها كمسلمات، رغم أهميتها التي لا تتجلى له إلا في حالات معينة وخصوصاً عند ضياعها.

أعجبتني فكرة قيام الفنانة بجمع أفكار متعددة في اتجاه واحد واحتوائها على شكل فكرة متكاملة، بحيث تعطي كل لوحة معاني متعددة وآفاقاً واسعة لكلمة كرسي تجذب اهتمام أي شخص سواء كان له معرفة بالفن أم لا.

إن تلك اللوحات لا تنقل من يراها لعالم الأحلام والفنتازيا، بل تحيل الناظر إليها إلى مواقف حياتية حقيقية، وتدفعه إلى التفكير فيها وتأملها أو على الأقل إلى إحيائها في ذاكرته والأجمل طريقة استخدامها للألوان، فلا أعلم بالضبط كيف استطاعت الفنانة مزج هذه الألوان الزيتية مع بعضها بهذا الشكل الناجح.

الفنانة الشيخة هلا بنت محمد تتفرد بأفكارها بجاذبية عميقة الفكر فيكون عملها بمثابة لغة اتصالية لتصبح اللوحات كالكلمة المرئية والمقروءة من قبل المتلقي.

وما أجمل ذلك الفيلم المصاحب للمعرض والذي أعد بحرفية الموسيقى والصورة وبالتالي حرصت الفنانة في تغيير الطرق التقليدية للأعمال الفنية عن طريق التنويع بين الفكرة والتعبير، وكيفية تداخل فكرة الكرسي بين اللوحات والفيلم الموسيقي، وكيفية التعبير من خلال المشاهد في هذا الفيلم القصير ببساطة المشي في دائرة حول الكرسي وبقدمين حافيتين، والحيرة بين ألم الماضي وطفلة الأمل.

هذا الفيلم القصير الذي قدمته الفنانة يحمل ما بين مشاهده رسائل مشفرة غامضة إلى جمهور يجب أن يكون غير عادي، فهو نوع من النشاط العقلي لمشاركة الخيال بالواقع، يدفع العقل لحل تلك الرموز المتمثلة في قصاصات ورق لإنسان يجلس على كرسي مجهول، فينتهي الأمر بحرق كل ألم والعيش بحب مع أفق الأمل.