لقد صُوّرَ الوباء في تجليات متعددة داخل المَتن السردي الروائي، إلى جانب أن هناك الكثير من الروايات تحمل بين ثناياها معاني عميقة لتلك الأوبئة التي فتكت بالمجتمعات والبشر، فكانت محركاً أساسياً في بعضها وأحياناً ذات طابع درامي تراجيدي لزمن وتاريخ وقوع الوباء.

إنَّ الكثير ينظر بأن الهدف الأساسي من توظيف الوباء هو تعرية الواقع الراهن أو لنقد أوضاع سياسية أو اجتماعية أو صحية أو فكرية، إلا أن القارئ المستنير والمهتم بالروايات يعلم جيداً بأن الرواية التي تحمل بين طياتها وباء، فهي بحد ذاتها تستحضر التاريخ فيتضاعف عند الكاتب النص السردي المتخيل بسبب تلك الوقائع التاريخية.

العديد من الروايات تنبأت بأوبئة وكوارث دمرت العالم سواء كانت تلك الروايات عربية أو الأجنبية، فعلى سبيل المثال بالنسبة للروايات العربية يأتي دور الكاتب المصري نجيب محفوظ الذي يعتبر من أكثر الروائيين توظيفاً للأمراض والأوبئة في أعماله، حيث تكلم في رواياته عن تفشي أمراض السل والطاعون وصورها في رواياته بأبعاد مختلفة وهذا ليس بغريب على محفوظ فهو كاتب من العالم الثالث النامي وطبيعي أن يعكس الكاتب الذكي ما يدور حوله كما حدث في روايته «الحرافيش» وكيف كان الطرح الفنتازي ذو العمق الفلسفي لواقعة انتشار الطاعون في القرن الثامن عشر الميلادي وشخصية «عاشور الناجي» الذي نجا من الطاعون بفراره من عائلته لكنه لم ينجو من ظلم المجتمع وكيف فشل في بناء المدينة الفاضلة.

والجدير بالذكر أن الكثير من الأوبئة غزت العالم عبر الروايات العالمية أيضاً، وذلك حرصاً من الأدباء والمفكرين على تخليد الأحداث التي أطاحت لملايين البشر من قبل، وكيف كانت تلك الأوبئة طاغية عالمياً، فبالرغم من أنها فيروسات لا ترى بالعين المجردة إلا أنها تركت أثراً في تاريخ البشرية، ومن تلك الروايات العالمية التي استفاضت بالحديث عن تلك الأوبئة «الحب في زمن الكوليرا» للكاتب «ماركيز» وكيف صور الحب بقوله «إن هذا الحب في كل زمان وفي كل مكان، ولكنه يشتد كثافة كلما اقترب من الموت»، وقصة الحب بين «فلورنتينو» و«فرمينيا» وكيف سافر بها والدها بعد أن علم بقصة الحب وكيف مرضت وتزوجت بغير حبيبها وكيف هو الإخلاص في الحب وانتظار العاشق الحبيب لها ومحاولاته بالتقرب لها مرة تلو الأخرى لتأتي رواية «العمى» للكاتب البرتغالي «ساراماغو» وتعتبر من أهم الروايات التي تتحدث عن تفشي الأمراض، حيث تدور أحداث الرواية عن مريض أُصيب بالعمى، فذهب إلى الطبيب، فينتقل الوباء إلى الطبيب، وبمرور الوقت كيف تفشى المرض في القرية كلها، وفي نفس الوقت انتشار السرقة بشكلٍ كبيرٍ في القرية وعمت الفوضى في أنحائها، وتدخل الجيش للسيطرة على الوضع، وظهور الكثير من المبادئ غير المقبولة في المجتمع من قتل وسرقة وتطبيق مبدأ الغاية تبرر الوسيلة في سبيل الحصول على الطعام.

ورواية «عام العجائب» لمؤلفتها الأسترالية «جيرالدين بركس»، التي تتحدث فيها عن امرأة شجاعة، واجهت مع أهل قريتها مرض الطاعون. وترجع القصة إلى القرن السابع عشر، عندما حُملت قطعة قماش بها مرض الطاعون من لندن إلى إحدى القرى المعزولة.

لتأتي رواية «الطاعون» للفيلسوف الفرنسي الرائع «ألبير كامو»، وكيف تدور أحداث تلك الرواية حول تفشي مرض الطاعون الفتاك في قرية هران بالجزائر، والطبيب الذي يدعى «بيرنارد ريو»، الذي سخر نفسه لمساعدة الأسر المريضة، وفي نفس الوقت مرض زوجته، وسفرها للعلاج خارج البلاد، وإذا بالسلطة تغلق أبواب هران، وكيف تموت زوجة الطبيب فيجد نفسه محبوساً، ليسخر نفسه في مساعدة المرضى، وكيف يبحث عن سبل للعلاج من خلال الدراسة لوجود العلاج إلا أنّ كافة محاولاته باءت بالفشل، ليذهب المرض فجأة عن القرية فيعم الفرح عليها وعلى أهلها إلا الطبيب الذي يُدرك أنّ الطاعون مرض خبيث، وقد اختفى لفترة وجيزة، ليخدع الناس، إلا أنه سيعود يوماً ما، بصورة أقوى!

اليوم وعلى غرار تفشي فيروس كورونا القاتل والذي يعتبر حديث الساعة، والذي يتكلم عنه الصغير قبل الكبير، ومن خلال الحديث اليومي نجد انتعاش ذاكرة الكثير من الأجداد وخصوصاً هنا في البحرين ليرجعوا بذاكرتهم لزمن لم نعاصره، زمن غير زمننا هذا، ولأوبئة حلت وذهبت، مثلاً كالطاعون الذي تردد على البحرين أربع مرات ووباء الكوليرا والجدري والإنفلونزا الإسبانية، وكيف قدمت تلك الأوبئة من الهند والعراق وإيران ومن ثم موانئ الخليج العربي وبالذات المنامة والمحرق، وكيف ارتبطت بزمن تاريخي وسميّت السنوات بأسماء نسبة لظروف المرض فيها، كسنة الرحمة بالبحرين، ولكن هل وثقت تلك الأوبئة التي تفشت في ذلك الزمن على شكل روايات كما حدث الحال مع الكتاب الآخرين؟ أم إننا نفتقر للرواية التاريخية في البحرين؟!