يمكننا في ظل الظروف الصعبة والاستثنائية أن نعطِّل بعض المشاريع والأفكار وبعض الوظائف الحياتية الأخرى. لكن، ليس باستطاعتنا الاستغناء عن ما يمكن أن يكون لنا مصدر حياة للعقل والفكر.

ليس الطعام والشراب والعلاج هي الأشياء التي لا نستطيع الاستغناء عنها في حالتنا هذه، بل هناك أمور موازية لا تقل أهمية عنها، ولربما تسير معها في ذات الاتجاه. لعل من أبرزها، هي الثقافة. والتي تعتبر غذاء العقل بالدرجة الأولى.

في البحرين، وفي ظل جائحة (كوفيد19)، وانشغال الناس بتخزين الطعام والشراب، وتأمين الغذاء بشكل آمن ومستمر، لا يمكن لنا أيضاً أن نفوت أخبار «الثقافة» ومنجزاتها ومكتشفاتها وآخر تطوراتها. فنحن شعب الحضارة والثقافة قبل أن نكون شعب الأطعمة. ومن هنا لا يمكن أن نغفل أو نتجاهل حركة الثقافة والآثار في البحرين، حتى ولو عشنا تحت حصار أشرس الأوبئة.

يوم السبت الفائت، أعلنت هيئة البحرين للثقافة والآثار وخلال مؤتمر صحفي بثّته عبر الإنترنت عن نتائج هذه الأعمال والجهود التنقيبية التي تمّت بالتعاون مع عدد من بعثات التنقيب الدولية اليابانية، والبريطانية، والدنماركية والفرنسية. حيث قدّم المؤتمر الصحافي كل من معالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار، والشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة مدير إدارة المتاحف والآثار بهيئة الثقافة. وجاء هذا المؤتمر الصحفي بالتزامن مع اليوم العالمي للمواقع الأُثرية والذي يوافق 18 من أبريل من كل عام.

لمن لا يملك الوقت لمعرفة ما تم الإعلان عنه خلال مؤتمر الهيئة، أو لانشغالنا بالجائحة، يكون من واجبنا الوطني والأخلاقي كإعلاميين تبيان أهم ما جاء خلال هذا المؤتمر الهام جداً، لنعرف أن آخر مستجداتنا الثقافية.

أعلنت معالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة بأن «أحد أكثر الاكتشافات أهمية لهذا العام هو ما يعتقد أنه دليل على «حديقة دلمونية». وهذا الاكتشاف يتماشى مع ما يتم تداوله من أساطير بأن دلمون «جنة مفقودة» ومع النظريات التي تطرح بشكل علمي تميز دلمون بالخضرة والزرع ومياه الينابيع الوفيرة، وأن الدراسات القادمة ستؤكد ما اكتشفه المنقِّبون حول هذه الفترة من تاريخ مملكة البحرين. كما أن هناك اكتشافاً أثرياً هاماً آخر هذا العام تم التنقيب عنه في منطقة سماهيج في المحرّق، حيث تم الكشف عن مبنى يعود إلى القرن السابع الميلادي، حيث أكدت «ربما يكون ديراً أو كنيسة. كانت سماهيج مركزاً للمسيحية قبل وبعد ظهور الإسلام، ومن هنا نستدل على التاريخ الطويل للتسامح الديني الذي تتمع به مملكة البحرين».

كما أكدت معالي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة «بأن هناك الكثير من المكتشفات الجديدة، وأنها المرة الأولى التي يقوم فيها الفريق الدنماركي بأعمال تنقيب أثرية في موقع قلعة البحرين منذ عام 1978 في محاولة لإماطة اللثام عن بقايا أثرية لم يتم كشفها مسبقاً، إضافة إلى كشوفات أثرية في منطقة مقابة والتي أثمرت الكشف عن مدافن من فترة تايلوس «حوالي القرن الأول إلى الثاني قبل الميلاد»، ومن فترة دلمون المبكرة «الألفية الثانية قبل الميلاد»، إضافة إلى بقايا مسجد ومقبرة».

مهما أربكتنا الجائحة فإننا لن ننسَى تاريخنا وحضارتنا وإرثنا وتراثنا وثقافتنا في البحرين، فنحن قبل أن نؤمِّن لأنفسنا الغذاء، كنَّا نؤمِّن حضارتنا وثقافتنا. هكذا يقول التاريخ، وهذا ما يجب أن يكون عليه الواقع. وفي الأخير، لا يسعنا سوى أن نشكر الثقافة، وسيدتها، الشيخة مي بنت محمد آل خليفة.