أتساءل بحزن شديد، وأنا أتابع الجدل الدائر حول التطبيع المجاني مع الكيان «الإسرائيلي»: ما الذي استجد في هذا الموضوع ليظهر على السطح مجدداً وبهذه القوة المفتعلة؟ هل أن «إسرائيل» مثلاً قد أعلنت فجأة أنها ستلتزم بقرارات الشرعية الدولية، وستنسحب من الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة مما اقتضى مثل الاحتفاء بالتطبيع؟

الغريب أن موجة التهريج التطبيعي، تتصاعد بالتزامن مع تصاعد العدوان الإسرائيلي، ورفض جميع مبادرات السلام وحل الدولتين، مما يطرح السؤال التالي: نطبع لماذا ومقابل ماذا ولأجل ماذا؟

إن القصة كلها تدور في فلك الهوس بالتطبيع المجاني، أو التمهيد له والسعي إلى إنهاء القضية الفلسطينية، والقبول بما يسمى بالأمر الواقع، والتحرر من أية التزامات قومية جماعية. مما جعل المهوسين بالتطبيع المجاني يبشرون بمثل هذه الأفكار الخشبية التي لم تعد تفاجئ أحداً بدرجة سخفها، ولكن الذي يفاجئ حقيقة، هو أن يكون منظرو هذا التطبيع، على هذه الدرجة من الضحالة وانعدام الإرادة، وفقدان الثقة بالنفس، والنكوص عن الثوابت الجامعة. ولعل هذه النقطة تحديداً هي محل كل السرور، لأنها تعطي الأمل في حتمية زوال إنجازات هذا الطابور الذي ترهقه الحقيقة، ويتعبه الالتزام بالثوابت، وهو في موقع التفريط والانتكاس والتراجع الذي ينطوي على مخاطر كبيرة، تهدد بتحويل الإخفاق السياسي إلى حالة يأس مزمنة، وإحباط مدمر لذات الأمة ولتاريخها، كما لو أصبح هذا الإخفاق تجسيداً لعاهة فطرية يختص بها العرب، مما يولد حالة من الندب والنواح، أو قناعة بالهزيمة والقبول بالاحتلال والتطبيع كترجمة حتمية له.

لا يوجد هنا فكر يستحق أن يناقش، أو رأي يستدعي المقارعة. كل ما هنالك أن ورثة طابور ثقافة الهزيمة، يعلن إفلاسه علناً، مبشراً بالعصر الإسرائيلي الجديد، وبإنجازاته لشطب كل ما هو عربي من كل المواقع، بالتزييف والتدليس، مستخدماً معجم نظام الغطرسة والاحتلال، غير مخفِ التصريح علانية بالقرابة الدموية بينه وبين نظام الهيمنة الصهيونية.

* همس:

على ضفاف البحر،

وصفحات المرسى الغافي،

تغني عصافير تائهة،

تحط على راحتي،

وسط ساحة الصمت،

في انتظار الربيع القادم.