كتبت - سماح علام

أكدت استشارية السعادة وجودة الحياة هاجر ناصر الفضالة أن السعادة الحقيقية هي سعادة ذاتية تنبع من داخل الإنسان، موصية بأهمية اتخذا قرار السعادة الذاتي الذي يجعل الإنسان مترفعاً عن المشاكل ودائرة الحزن التي قد تصيب أي إنسان طبيعي، مبينة أن السعادة معدية وهي أسلوب حياة يحفز على ترك الماضي والعيش في الحاضر مع التخطيط للمستقبل.

جاء ذلك في لقاء نظمته "الوطن" بين استشارية السعادة هاجر الفضالة وبين "قروب الأسرة" على منصات التواصل الاجتماعي حيث تم طرح عدد من التساؤلات من القراء والتي أجابت عنها الفضالة بطرحها الإيجابي المميز.. فإلى نص الحوار:



- قروب الأسرة: ما هو مفهوم السعادة الذي ينبغي أن نسعى له، لأن كلمة سعادة كبيرة تشمل العمل والأسرة وعدة أمور أخرى؟

* الفضالة: مفهوم السعادة يحدد حسب الشخص وأهوائه وميوله، فإلى أي نوع من السعادة نطمح: هل هي السعادة في العمل أو البيت أو مع الأصدقاء أو مجمل الحياة .. فقليل من التمرين يصبح الإنسان سعيد وإيجابي ولو كان في وسط المشاكل، لأنه ببساطة اتخذ قرار السعادة وآمن بالله وتوكل عليه، وبرأيي أن السعادة هي قرار شخصي، فمتى ما أردت أن تكون سعيداً ستسعد، فهي تنبع من الداخل وتنعكس على الخارج.

وأستشهد بقول الرسول عليه الصلاة والسلام : "من أصبح منكم آمناً في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا".. وهذا الحديث يلخص معنى الحياة الخالي من الترف والمتجرد من الأمور الاستهلاكية، فالسعادة تتعلق بأساسيات الحياة وهي متلخصة في هذا السطر الكريم، فقط علينا التفكر والتدبر، والالتزام بالقناعة والرضا وشكر النعم.

- قروب الأسرة : كيف تتحقق السعادة بين زوجين يتسم كل منهما بالعناد والتعصب في الرأي؟

* الفضالة: مهما كان الزوجان مختلفين لابد من نقاط انسجام، وبحكم العشرة فإن كل طرف يعرف مفاتيح الطرف الثاني، وأنصح دائماً أن تقوم المرأة تحديداً باحتواء الموقف، كما أدعو الرجال إلى احتواء النساء أيضاً بالمثل، فالاحتواء والتفهم ووقف النقاش السلبي وتحويله إلى معالجة صحيحة وامتصاص بهدف إسعاد الآخر وهو طريق السعادة، إذا فإن امتصاص الغضب يزيل الكثير من العناد والتعصب في أي موقف كان.

- قروب الأسرة: ما هو الأثر النفسي لمصاحبة الشخص السعيد؟

* الفضالة: السعادة معدية، هناك خلايا في المخ تسمى خلايا مرآتيه، وهي تقوم بالتأثر بطبيعة الوضع الذي أمامنا مثل السعادة أو التثاؤب وهكذا، إذا تعتبر مصاحبة السعيد أمراً يساعد على تحقيق السعادة، فقط علينا التفكير في صناعة السعادة وإحداث الفارق.

في تجربة طبقت بدولة الإمارات المتحدة، تم رصد الموظف المبتسم في أحد المؤسسات، ويكون هناك رصد لمن يبتسم طوال اليوم، ويكون له جائزة ممثلة بموقف سيارات قريب من الإدارة وأيضا فطور خاص لمدة شهر، وهذا دليل على أهمية بث السعادة والابتسام في مواقع العمل وبالمثل في البيوت وفي كل مكان، بخلاف أن السعادة في العمل تحفز على العطاء والإنجاز.

أيضاً لابد من الحديث عن لغة الجسد والمشي مع رفع الرأس وعدم الانحناء، فكلها حركات تؤثر على الطاقة الداخلية لدينا وبالتالي تؤثر على سلوكياتنا وتفاصيل يومنا.. من هنا يجب تجنب العيش في الماضي أو في ظل تأثيرات الماضي ، ومحاولة العيش في الحاضر والعمل على أن يكون أفضل من الأمس مع التخطيط ليكون الغد أفضل أيضاً.

- قروب الأسرة: نسمع عن هرمونات السعادة، فما هي هرمونات السعادة؟

* الفضالة: سأتحدث عن 4 هرمونات تحدث السعادة، لن أعرضها بمسمياتها العلمية بل بمصطلحاتها العملية، أولها الرياضة التي ترتبط مباشرة بالسعادة، فالمشي مثلاً نصف ساعة يومياً يغير النفسية كثيراً، أيضاً نتحدث عن ثاني هرمون وهو العطاء وهو تقديم العطاء لأي شخص قريب أو في المحيط، وليس بالضرورة أن يكون العطاء مادياً بل قد يكون ممثلاً بنصيحة أو اقتراح حل أو مشاركة مشاعر معينة وهكذا، فأي أوجه من أوجه الدعم النفسي والمعنوي هو عطاء ومساعدة أيضاً، أما ثالث الهرمونات فهو الإنجاز، فمن المهم وضع أهداف والعمل على تحقيقها، من هنا تأتي قيمة العمل والسعي للإنجاز، وأخيراً هرمون الحب وهو هرمون سحري يغذي النفس والمحيطين بطاقة عالية فمن يعطي الحب ينال الحب أيضاً في جميع مناحي الحياة.

- قروب الأسرة: كيف تتحقق السعادة بين الزوجين مع امتداد السنوات والدخول في دائرة المسئوليات الكثيرة ؟

* الفضالة: في بداية الحياة الزوجية تكون الحياة وردية ولكن مع الدخول في تفاصيل الحياة ومسؤولياتها يأتي دور التكامل والانسجام والاهتمام، فمثلاً ماذا سيحدث لو فاجئ الزوج زوجته بوردة وهو قادم من العمل، وماذا لو اهتمت المرأة بترتيب عشاء محبب لزوجها في جو هادئ بعيداً عن ضجة الأبناء، وهناك الكثير من التفاصيل الصغيرة التي تبقي على الود وتنعش الحياة الزوجية وهي ليست مكلفة.

- قروب الأسرة: كيف نحقق السعادة عند الأبناء المتمردين؟

* الفضالة: إذا سعد الأبناء يسعد الآباء مباشرة، من هنا يجب إدراك أن الشباب اليوم يتطلعون إلى مستويات عالية للحصول على الرضا والقناعة، وهذا نتيجة رتم الحياة وتأثير السوشل ميديا من فاشنستات وبلوجرات، من هنا نتحدث عن أهمية الرضا والقناعة ، وإطلاعهم على تجارب دول أو أسر مختلفة في ظروف حياتها لإدراك حجم النعم التي يعشون فيها، أيضاً لابد من إيكال مسئوليات للأبناء فهذا يشعرهم بالفخر ويعزز لديهم قيمة العمل والإنجاز ويصقل شخصيتهم شيئاً فشيئاً.

- قروب الأسرة: كيف نخلق السعادة في بيئات العمل غير الصحية؟

* الفضالة: بيئات العمل متباينة منها ما هو مشجع وفيها ما هو محبط، ولكن ما أدو التأكيد عليه هو دور الفرد في التعامل مع الموقف أياً كان، إذا لابد من وضع حدود للعمل في حياتنا، إذا علي أن أتعامل مع البيئة الجيدة وأن أعمل وأنجز، أو أتعامل مع البيئة المحبطة بحدود أداء العمل وعدم التأثر السلبي بها، من هنا يجب عمل حائط صد للإنسان يحمي من التأثيرات السلبية، وهذا كله في ظل الحفاظ على العمل بإخلاص لأنه مصدر رزقنا، من هنا نقول أن التفكير الإيجابي هو الذي يحكم كيفية التعامل مع بيئات العمل المختلفة الذي يجب أن يكون بوعي وإدراك، فلا مسؤول سيظل دائماً مسؤولاً ولا المدير سيظل دائماً على كرسيه، وفرص الانتقال والتغيير دائماً متاحة للجميع.

أيضاً من المهم ترك كل ما يتعلق بالعمل عند باب العمل، فمتى ما بصمت بصمة الخروج يجب أن أخرج نفسياً وروحياً وفكرياً من أجواء العمل، وهذا الأسلوب ينظم الكثير في شؤون حياتنا ويجعلنا أكثر عطاءً.

- قروب الأسرة: كيف تخلق السعادة في زيارة الوالدين؟

* الفضالة: إسعاد كبار السن في الأشياء البسيطة، فالكبار لا يريدون الكثير من أبنائهم، بل يريدون السؤال والزيارة والاهتمام، وما أجمل أن نهدي الأم مثلاً نوعاً من الطيب أو إهداء الأب شيئاً محبباً له كان يخطط لشرائه، من هنا تأتي أهمية اللفتات البسيطة في حياتنا وخصوصاً مع كبار السن الذين يستحقون رسم البسمة والبهجة في نفوسهم، وإشعارهم بالشكر والامتنان لوجودهم في حياتنا.

- قروب الأسرة: هل الجلوس على البحر يجلب السعادة فعلاً؟

* الفضالة: هناك أشخاص يحبون البحر ويكون مصدر سعادة لهم، ولكن هناك آخرين لديهم فوبيا من البحر، وهنا لن يكون مصدر سعادة لهم، من هنا نقول أن الشخص هو الذي يحدد ما يسعده ، فما قد يناسبك لا يناسب غيرك، ولكن نصيحتي في أن يبحث كل إنسان عن سعادته ولا ينتظرها من أحد.

- قروب الأسرة: ما هي السعادة اللحظية وما هي السعادة الدائمة ؟

* الفضالة: السعادة اللحظية ترتبط بوجود مؤثر، تزول بزواله، ولكن السعادة الدائمة هي قرار ونظرة إيجابية لكل المواقف، وهي طريقة تفكير ووسيلة حياة، فالكوفي مثلاً يضبط المزاج للبعض، والعطور والطيب يشعران بالسعادة لبعض آخر، ولكن كلها أسباب لسعادة لحظية، من هنا نتحدث عن السعادة الدائمة كأسلوب حياة ونظرة تفاؤل تترفع على كل المشاكل والأحزان، فالحياة قصيرة وتستحق عيشها بسعادة وعدم إهدار الأوقات الجميلة فيها.

- قروب الأسرة: ما أهمية وجود الأصدقاء في حياتنا بفكرهم وعواطفه ووقفاتهم وهل الأصدقاء مصدر سعادة؟ وهل يستطيع الشخص أن يجلب السعادة لنفسه دون أن يحتاج لأي شخص آخر؟

* الفضالة: نريد أن تكون جلسة الأصدقاء "أحلى قعدة"، وليس تحميل الأصدقاء الهموم والأحزان، نريد أن تكون جلسة الأصدقاء إيجابية وجميلة تعزز الإيجابية وتزيد من الطاقة.. هناك أشخاص ينتظرون السعادة من أشخاص وهذا خطأ، من هنا نقول إن السعادة تكون داخلية مستقلة لا ترتبط بأشخاص، نتحدث عن سعادة حياة لا سعادة مرتبط بأشخاص أو مواقف.. أيضاً نقول أنه كل ما صفينا النية والتزمنا بعدم تأويل المواقف والكلمات كلما أصبحنا أقرب إلى الراحة والاطمئنان، لذا لا داعي للحديث عن السلبيات أو البحث في دلالات الأقوال، بل ترك الحياة بسيطة والعيش في ظل السلام الداخلي.

وأود أن أبين أن ليس كل شخص سعيد يعني أنه خالي من الهموم، بل السعادة قرار وأسلوب عيش مهما كانت الظروف، وهذا يعني عدم الاستسلام للظروف أو العيش في دائرة المشاكل، نحن نتحدث عن ترفع وخروج عن حدود السلبية في أي موقف، من هنا نقول أن السعادة هي رد فعل لا يرتبط بالموقف.. باختصار قرر أن تعيش سعيداً مهما كان شكل الظروف التي تعيشها.

- قروب الأسرة: فقدان أحد الأشخاص القريبين قد يبعد السعادة عن شخص ما، لما له من ذكريات في الأماكن والمواقف، ففي مثل هذه المواقف كيف أهيئ الشخص للرجوع لما كان عليه قبل هذه الحوادث؟

* نحن بشر والإنسان الطبيعي يحزن ويسعد ، فالسعادة لا تعني الخلو من الفقد أو الحزن أو أي نوع من المشاكل، فنحن نتحدث عن التعامل مع الأمور بقدرها، الحزن يكون وقتياً والعيش في أثر المشكلة وقتي، من هنا نقول لا نعيش في الماضي بل نعيش للمستقبل، فأمر المؤمن كله خير إذا أصبته مصيبة صبر وإذا أصابته نعمة شكر.. فالحياة كلها اختبارات، والمؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف.