مثل المشروع النووي الإيراني أحد ثوابت السياسة الإيرانية منذ أيام الشاه، وعندما جاء الملالي ظل هذا الثابت مستمراً في التوجهات الإستراتيجية لطهران. ورغم تقلبات السياسة، وظهور التحالفات وتبدلها، وإبرام الاتفاقات وتمزيقها، إلا أن هذا المشروع سيظل مستمراً، ولن يتخلى الملالي عن هذا المشروع إلا لأسباب غير تقليدية، وقد تكون مؤقتة.

قد يأتي اليوم الذي يتفاجأ فيه العالم ليرى الغيمة الذرية الإيرانية على شاشات الفضائيات وشبكات التواصل الاجتماعي، كما حدث عندما تابعنا التجارب النووية الهندية والباكستانية في تسعينات القرن العشرين، ومازالت تداعياتها قائمة إلى اليوم. لكن هل نحن مستعدون للتعامل مع إيران النووية؟

تعاملت دول الخليج العربي مع إيران الملكية عقوداً طويلة، ثم طوّرت إستراتيجياتها للتعامل مع إيران ولاية الفقيه رغم كل التقلبات التي شهدتها العلاقات الخليجية ـ الإيرانية، وظروف المنطقة بصراعاتها الإقليمية والدولية. لكن لم تعتد دول المنطقة على التعامل مع إيران النووية.

تعرّفنا على إيران ولاية الفقيه بمشروعها التوسعي، وتبنيها مبدأ تصدير الثورة، لكننا لا نعرف ما يمكن أن تفعله إيران النووية إذا استطاعت الانتقال إلى هذه المرحلة. فلن تستمر إستراتيجية الميليشيات، وإستراتيجية الطابور الخامس كما في الوقت الحالي أو السابق، بل ستكون هناك إستراتيجيات جديدة.

ليس المطلوب خليجياً كيفية مواجهة القنبلة النووية الإيرانية، بقدر ما هو مطلوب تحديد إستراتيجيات مستقبلية للتعامل مع إيران النووية، وكيفية حماية دول الخليج العربي، والمنطقة من أي تهديدات محتملة. وهذا لا يمكن تحقيقه دون مشروع خليجي لحماية المنطقة. قد تكون السيناريوهات العسكرية جاهزة، وحاضرة لدى صناع القرار، لكن المسألة تتطلب ما هو أكبر من سيناريوهات عسكرية، لأن القوة السياسية ستكون أعظم في حال امتلاك سلاح نووي، وهنا نحن بحاجة لمعرفة حجم التهديدات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الفكرية.

وللتاريخ، علينا أن نتذكر أن المفاعل النووي العراقي تم تدميره بقصف إسرائيلي عام 1981، وبعد 22 عاماً قامت الولايات المتحدة وبريطانيا بغزو العراق وإنهاء النظام الحاكم فيه. أما البرنامج النووي الإيراني فعمره يمتد لنحو 63 عاماً، لكنه مازال خارج المحاسبة الدولية، ولم يتعرض للاستهداف العسكري كما حدث للمفاعل العراقي!