«المكاتب ستصبح شيئاً من الماضي». هذه المقولة تتداول على نطاق واسع في البحث عن مستقبل العمل عن بُعد. أطروحات عديدة تتناول فوائد تحرر أرباب العمل من تكاليف بناء أو تأجير مقار العمل وفواتير الكهرباء والماء، وحل مشكلات مواقف سيارات الموظفين، وغيرها من النفقات التي ستشمل تقليل عدد الموظفين. كل ما سيحتاجه الموظف جهاز حاسوب وخط إنترنت بكفاءة عالية وبرمجيات خاصة للتواصل في العمل عن بُعد. يضاف إلى ذلك الحديث عن فوائد العمل من المنزل لنفسية الموظف، وأثره في التقليل من زحام الشوارع والتقليل من حوادث السيارات والتلوث الناجم عنها.

وقد أتاح وباء (كوفيد19) فرصة ذهبية لاختبار فرضية العمل عن بُعد وتجريبها. كما أعلنت عدة شركات كبرى عن تبني العمل عن بُعد كسياسة عامة في العمل مثل شركة «تويتر» و«فيسبوك» وكذلك شركة «مايكروسوفت» وبعض محلات الأزياء التي أعلنت أنها ستغلق فروعها وتبيع منتجاتها إلكترونياً. في حقيقة الأمر أن الجدوى الاقتصادية لأرباب العمل هي من أهم دوافع التحمس لهذا الاتجاه أكثر من القناعة بجودة العمل أو بكفاءة الإنتاجية.

تجربة العمل عن بُعد أثبتت أنه بالإمكان إنجاز المهام خارج مقرات العمل. ولكن هذا الإنجاز كان مرتبطاً بتعطل كثير من العمليات نتيجة اجتياح الوباء كافة مجالات الحياة. بمعنى أن الإنتاجية المحدودة هي انعكاس للواقع الوظيفي المحدود. بالتالي فإن عودة الحياة كاملة يتعذر معها استمرار العمل عن بُعد في كثير من الوظائف.

وتبني سياسة العمل عن بُعد يستدعي معها تطوير آلية متابعة الموظفين وقياس كفاءة إنتاجهم. وهي مسألة واجهت تحديات في الأشهر الماضية. صحيح أن هناك مهام يمكن إنجازها ومتابعتها عن بعد، كمتابعة برنامج إلكتروني معين، أو استقبال طلبات المراجعين إلكترونيا أو هاتفيا، أو تحليل البيانات. لكن ثمة مهام تحتاج إلى تواجد فيزيائي شبه دائم لإنجاز العمل على ما ينبغي. وتحتاج لبيئة مهنية تهيء الموظفين للإنجاز أكثر من العمل من داخل بيئة الاسترخاء في المنزل. وهذا ما يجب أن تأخذه الدراسات الاقتصادية والإدارية في الحسبان.