أطروحات كثيرة تطالب بطرد الأجانب، أو تقليل أعدادهم، أو وقف الصرف عليهم من الميزانية العامة للدولة، وهي أطروحات تنتشر سريعاً بين العامة، وحتى النخب في دول الخليج العربي. وتبرير ذلك أن أعداد الأجانب التي أصيبت بفيروس كورونا أكبر بكثير من أعداد المواطنين، بالتالي ينبغي خفض الإنفاق على هؤلاء، خاصة مع تراجع العوائد النفطية نتيجة انخفاض الأسعار العالمية.

المسألة ليست زينوفوبيا، لكنها قد تتحول إلى ما هو أكبر من ذلك بكثير إذا علمنا أن جميع دول مجلس التعاون الخليجي ـ باستثناء السعودية وعمان ـ يعيش فيها أجانب أكثر من المواطنين. ولا نتحدث هنا عن نسب محدودة بل نسب مرتفعة جداً هي الأعلى على مستوى العالم.

الحديث عن الحاجة للأعداد الضخمة من العمالة الأجنبية مهم، لكن الأهم منه هو تحديد الأبعاد المستقبلية لظاهرة الخلل الديمغرافي الواضح المجتمعات الخليجية. من الناحية الأمنية شهدت هذه المجتمعات أحداثاً خطيرة في السابق، كما هو الحال في الفوضى والشغب بين الباكستانيين والهنود التي شهدتها مدينة العين في التسعينات الماضية بسبب الاختلاف حول قضية كشمير، أو أعمال الشغب التي شهدتها الكويت مؤخراً بداية أزمة فيروس كورونا من قبل الأجانب، وغيرها الكثير من الحالات.

إن الحديث عن مستقبل التركيبة الديمغرافية الخليجية، أهم بكثير من مناقشة طرد العمالة الأجنبية، أو تكريس خطاب كراهية ضدها. خاصة وأننا لا نعرف متى يمكن أن يتم تنظيم هذه العمالة سياسياً، ويتحول وجودها من وجود اقتصادي إلى وجود سياسي، فتظهر المطالب السياسية، ويتم تبني مشروع التوطين، كما تبناه أحد الصحافيين الهنود عندما خاطب الأمم المتحدة وقدم لها رسالة يطالبها بتوطين العمالة الهندية في الخليج، وإعطائها حقوقها السياسية لأن أعدادها أكبر من المواطنين أنفسهم، ويجب أن يكون لهم دور سياسي.

هذه القضية تتطلب معالجة قانونية عاجلة، ورؤية سياسية طويلة المدى، فحسد الثروة يمكن التعامل معه بسهولة، لكن سيطرة الأغلبية تحدٍ خطير يهدد مستقبل مجتمعات الخليج، ولا يمكن التعامل معه بزينوفوبيا قطعاً.