إن الكتابة في التاريخ والموروث الشعبي تعد من أصعب أنواع الكتابة خاصة بالنسبة إلى شاب في عمري يعتمد على المصادر المكتوبة والسماع ممن عاشوا تلك الحقب التي تود الكتابة عنها، ومع كل هذا الحرص والتحري في الكتابة وعدم ذكر أرقام أو حوادث معينة مرتبطة بتواريخ لست متأكداً منها، إلا أنني وقعت في يد بعض كبار المثقفين الذين دائماً ما يمطرونني بملاحظاتهم القيمة التي من شأنها أن تصقل ما أكتبه، وطبعاً لأنك لا تجادل من يكبرك سناً فأنت مجرد مستمع ومدون لما يقولونه، فيقول أحدهم لقد أخطأت في وصف «الداعوس» الفلاني والذي لم يكن يحوي على كذا، وكذلك لم تُصِب في لون الثياب حيث إننا لم نرتدِ هذه الألوان ولم تكن موضتنا آنذاك. ويأتيك آخر ويقول: أبدعت في وصف الداعوس الفلاني وأرجعتني لزمن الطفولة التي أفتقد ولا نملك منها إلا الذكريات، فتبتسم لأنك استطعت أن تعيد هذا المسن إلى طفولته ولو بكلمات بسيطة تنعش بها ذاكرته، وهنا يقف العقل متحيراً بين ذاك الذي يظنك أخطأت جداً في الوصف والآخر الذي أعدته لماضٍ جميل.

وهنا يتجلى الجمال في المشاركة والاختلاف، فالكتابة هي توثيق لما يدور في رأسك وهي أصل الفكرة ونقطة العودة والذهاب ما بين الماضي والحاضر، فمع كل التحري والتحقق إلا أنك ستواجه ردود فعل مختلفة، فالصغير سيعبر عن حبه كونك أخذته لشخصيات وأماكن كان يسمعها من والديه وأجداده، وآخر في متوسط العمر قد أعدته لطفولته ورفاقه وأيقظت فيه شعور الماضي، وكهل آخر تدمع عيناه وهو يقول قد أعدت الذكريات ولكن من يعيد الرفاق.

ولذلك فإن تقييد وتوثيق هذه القصص التي نسمعها من الآباء والأجداد وحفظها في الكتب التاريخية أو سردها بشكل روائي من شأنه إثراء المخزون التاريخي والثقافي للوطن، وستكون من الإسهامات الكبيرة في الحفاظ على الموروث الشعبي الذي ستتناقله الأجيال، وسيعلم كل جيل كيف كان يعيش «الطيبون» لتستمر الحياة ولكن مع التمسك بهويتنا الدينية والتاريخية والفخر والاعتزاز بهوية الآباء والأجداد الذين بنوا هذا الوطن بسواعدهم لنواصل المسير غير متناسين هويتنا العربية وقيمنا الإسلامية.

كما ستجد من يعاني من شهوة الانتقاد وينتقد من أجل الانتقاد فقط لا من أجل أن تتفادى أخطاءك مرة أخرى وهنا ما بين المديح والانتقاد يكمن تقبلك للاختلاف الذي سطرته في كتابتك وما تدعو إليه من تقبل للجميع وزرع ثقافة الاختلاف بين المجتمع.