كانت أمي تترنم بأبيات شعر تداعب بها حفيدها، فيهز رأسه طرباً وسعادة.

أبيات جاد بها الشاعر إيليا أبو ماضي عندما خفق قلبه لفراشة جميلة رآها ترفرف في الحقل فأسر بجمالها:

قالوا فراشة حقل لا غناء بها

ما أفقر الناس في عيني وأغناك

عجبت من ذاك الرجل «إيليا أبو ماضي» الذي يخفق قلبه لجمال فراشة فيجود بإبداع تتناقله الأجيال، عجبت من تلك القلوب الحية الرطبة المرنة التي تخفق للجمال.

فتساءلت!!! ما بال قلوبنا لم تعد تخفق؟!

تدور بنا دورة الحياة في البحث عن الرزق، نعمل، نجتهد، نلهث وراء المزيد من المكتسبات المادية حتى أنستنا قلوبنا.

فقلوبنا لا تفر إلا بالمزيد من المشتريات والتملك!!! يا لهف نفسي على قلب لا يسعد إلا بالماديات، يا ويح نفسي على قلوب عميت عن الجمال، فضلت السعادة طريقها لهذه القلوب.

لم نعطِ قلوبنا مجالاً للخفقان، فنعتبره هراء، ومضيعة للوقت، ونعتبر من يرعى قلبه إنساناً ضعيفاً سلبياً.

فعندما نخرج للفسح والترفيه، فوجهتنا المطاعم، وعندما نجلس على طاولة المطعم لا نعرف كيف نسترخي ونستمتع لأننا مشغولون بتصوير الأطباق التي سنعرضها في حساباتنا إلكترونياً للتباهي، فنسعد بتعليقات المتابعين، وننسى إراحة قلوبنا وإسعادها.

لم نعد نعطي قلوبنا مجالاً للتأمل في الطبيعة، البحر، السماء، الغيوم، أو حتى نبتة صغيرة يستريح القلب أمام جمالها، فنسي هذا القلب أنه قادر على الخفقان أمام جمال الطبيعة، حتى أظنه قد تحجر.

لم نعد نعطيها مجالاً للاستمتاع بكلمات شعر أو مقطوعة أدبية، أو حتى موسيقية، فيخفق قلبنا لجمال هذه الفنون... فنسي هذا القلب أنه قادر على الخفقان وتذوق جمال الفن حتى أظنه قد تحجر.

لم نعد نعطيه مجالاً للارتخاء في سجدة طويلة، ندعو، نتضرع، ونتوسل، ونرجو، فيخفق قلبنا بالخشوع والأمان، هذان الشعوران المتلازمان.. فننسي هذا القلب أنه قادر على الخفقان حتى أظنه قد تحجر.

وماذا بعد؟!!!

ماذا بعد أن تتحجر قلوبنا فلا تعرف كيف تخفق، فلا تقرأ الجمال، ولا تعرف المتعة، ولا تعرف الاسترخاء.

سنتحول إلى مخلوق أشبه «بالروبوت»، الإنسان الآلي، يعمل ينتج، ولكن بلا قلب، فدعونا نعطِ مساحة من الزمن لقلوبنا، فإن صلحت قلوبنا صلحت أجسادنا.. ودمتم أبناء قومي سالمين.