كثيرا ما يجري الحديث عن حقوق المواطنة، وهو حديث مشروع تماما في أي دولة تحترم مواطنيها وتتولى رعاية مصالحهم؛ فالدولة من هذا المنظور عليها واجبات تجاه الجميع، ولكن المشكلة أن هذا الحديث غالبا ما ينتهي عند هذه الحدود فقط، من دون الإشارة إلى واجبات المواطنة، باعتبارها عقدا اجتماعيا يقوم على الحقوق والواجبات معا، ولا يمكن أن تستقيم على أساس «الحقوق» فقط، لأنها تعني المشاركة في المسؤولية وفي الحقوق، باعتبارهما شرطي الديمقراطية والحداثة والمساواة. ولذلك فإن تجسيد هذه الحقوق على أرض الواقع وتطويرها مسؤولية المجتمع ككل، كما أن الالتزام بتفيذ الواجبات -ومنها احترام القوانين- مسؤولية الجماعة الوطنية قاطبة. وتعد المواطنة -بهذا المعنى- وجها من وجوه الحداثة ومدنية الدولة: فالفرد الذي يتصرّف كمواطن، يستمتع بكل الحقوق اعترافا بكيانه، ومنها المشاركة في اتّخاذ القرارات كأحد الركائز الأساسية للمجتمع الديمقراطي، مع عدم تجاهل الصبغة الشمولية لحقوق الإنسان وترابطها وتكاملها وشروط التمتع بها. ومن هنا جاء تأكيد مكانة حقوق الإنسان في نصوص الدساتير والمواثيق مقرونا بالحديث عن واجبات المواطنة، وإعلاء قيم التضامن والتآزر والتسامح، بما يجعل تكريس الحقوق وحمايتها نابعا من إرادة الدولة، ومن سلطان الشعب: حيث لا يمكن أن يحدث أي تقدم أو تطور أو تحرر للإنسان من دون أن يكون حرا ومشاركا في صياغة حاضره ومستقبله، من خلال النظام الديمقراطي الذي تتكامل فيه الحقوق بالواجبات، بما يقوي أركان الدولة والارتقاء بوظائف المواطنة إلى مرتبة الواجب المقدس، مثل الدفاع عن السيادة الوطنية، والمشاركة في الانتخابات الحرة، واحترام قيم العمل المنتج والمشاركة في التنمية واحترام حقوق الآخرين والمحافظة على المكتسبات الوطنية والاعتزاز بها. كما أنّ خضوع الدولة -من جانب آخر- لمقتضيات الدستور والتزامها بتطبيق القانون، يفرض هيبتها ويعكس صدقيتها بين أفراد الشعب، في إطار يوفق بين مصالح المجموعة الوطنية وحماية حقوق الأفراد، وبما يؤدّي إلى تعلّق الفرد بمواطنته والقيام بواجباته، وهو أمر لم يعد من مسؤولية الدولة فحسب، بل أصبح مسؤولية مشتركة بينها وبين المجتمع المدني، بما يعزز الوعي ويجذر الشعور بالانتماء لمواجهة التحديات.

* همس:

في متاهاتِ الذاكِرة

تتبدد الكلمات

بين ثنايا الأسئلة

وعند المرساة الشرقية

تذوب الرمال وقت الظهيرة

والأسئلة الحائرة

تتبخر في ساحة الصمت