سكاي نيوز عربية

بعدما منحت الجزائر رسميا الجنسية الجزائرية لبيار أودان، وهو نجل المناضل الفرنسي الراحل موريس أودان الذي قتل تحت التعذيب على يد أبناء جلدته، بسبب تضامنه مع ثورة التحرير الجزائرية في خمسينيات القرن الماضي، عاد ملف التجنيس الشائك إلى الواجهة مجددا.

ومنذ استقلال الجزائر عام 1962، كان حصول الأجانب على جواز سفر جزائري يشكل خطا أحمر وأحد الملفات الحساسة التي يمنع الخوض فيها.



ويوجد على طاولة وزارة العدل الجزائرية عدد من ملفات طالبي الجنسية الجزائرية، وتقول المحامية فاطمة بن براهم لـ"سكاي نيوز عربية" إن الأمر ليس بجديد ويعود إلى ستينيات القرن الماضي، وهناك طلبات لفرنسيين عاشوا في الجزائر وهم يحملون بطاقة مجاهد (مقاوم للاحتلال) لكنهم لم يتحصلوا على الجنسية الجزائرية.

ومن المعروف أنه يحق لكل شخص التقدم بطلب الجنسية إذ ما توفرت فيه الشروط القانونية، لكن الجزائر تنظر إلى الموضوع بكثير من الحذر لما يحمله من بعد تاريخي.

حلم الأقدام السوداء

وترجع المحامية الأمر إلى نظرة الجزائر إلى جواز سفرها، وهو أمر يحمل بعدا تاريخيا، وكمثال عن ذلك حالة نجل المناضل أودان، ورغم حيازة والدته على الجنسية الجزائرية فإنه لم يتحصل عليها إلا مؤخرا.

وخلال زيارة قادته إلى الجزائر، قال رئيس جمعية حماية المقابر اليهودية والمسيحية في الجزائر جاك كافانا، إن أعضاء منظمته، ونحو 70 بالمئة من الأقدام السوداء، وهم الأوروبيون الذين استوطنوا أو ولدوا في الجزائر خلال فترة الاستعمار، يرغبون في الحصول على جواز سفر جزائري.

ووفقا لمسح أجراه معهد دراسات الرأي والتسويق في فرنسا والخارج عام 2012، فإن عدد الأقدام السوداء يبلغ نحو 3.2 مليون، بما يشمل الفرنسيين الذين لديهم على الأقل أحد الوالدين أو الجد من أصحاب الجنسية الجزائرية.

ومن ناحية المبدأ ترفض الجزائر الموافقة على مثل هذه الطلبات بالنظر إلى نوايا الفرنسيين ممن يصنفون في خانة "الأقدام السوداء"، خشية استغلال بعضهم لجواز السفر الجزائري لأغراض سياسية أوأهداف مشبوهة تضر بالأمن والسيادة الوطنية، كما أن الرفض يأتي وفاء لرسالة شهداء ثورة 1 نوفمبر 1954.

الجنسية لمن يستحق فعلا

ومنذ الاستقلال إلى يومنا هذا، منحت الجزائر جنسيتها إلى عدد من المناضلين والشخصيات التاريخية البارزة، منها الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وبعد قادة اليسار الفرنسي الذين دعموا الثورة.

وقد أفصح عدد من مشاهير فرنسا عن رغبتهم في الحصول على الجنسية الجزائرية، ومن أبرز تلك الشخصيات التي تقدمت بطلب رسمي الممثل الفرنسي جيرار ديبارديو.

ويرى مراقبون أن الجزائر ترحب بالطلبات القادمة من أوروبا التي تخص محبي الجزائر أو المواطنين الفرنسيين، الذين ساهموا في دعم الثورة الجزائرية وناضلوا من أجل تحررها، وذلك وفق نص القانون الجزائري.

وقد تحصلت أرملة موريس أودان رفقة مجموعة من الأوروبيين على الجنسية الجزائرية، بعد رفع دعوى قضائية، وتفتخر الجزائر بعائلة أودان وتعتبرها جزائرية منذ عام 1962، وقد أطلقت اسم موريس أودان على واحد من أهم شوارعها في قلب العاصمة.

وبهذا الشكل تعتبر قضية الحصول على الجنسية الجزائرية قضية تاريخية محضة، بعدما كانت مسألة محورية ضمن بنود اتفاقية إيفيان بين الحكومة الجزائرية المؤقتة وفرنسا، التي أعطت الفرنسيين مهلة 3 سنوات بعد الاستقلال لاتخاذ قرار البقاء فرنسيين أو التجنس بالجنسية الجزائرية، علما أن القانون الجزائري منع ازدواجية الجنسية عام 1963.

العرب والجنسية الجزائرية

ويبدو أن طلبات الحصول على الجنسية الجزائرية الأكثر تعقيدا كانت تلك التي تتعلق بالسوريين والفلسطينيين، فبحسب الخبراء والمتابعين للملف يحتاج الأمر إلى معالجة خاصة.

ويوضح السفير الجزائري الأسبق في سوريا كمال بوشامة أن المسألة لا تزال مطروحة بشدة اليوم، وأضاف في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية": "الأمر تاريخي ويعود إلى القرن الثاني عشر أيام الحرب الصليبية، والجزائر لم ترفض منح عدد من السوريين والفلسطيين الجنسية الجزائرية، بعدما أثبتوا بالوثائق أصولهم الجزائرية".

وتعرف الجزائر في السنوات الأخيرة ارتفاع عدد الطلبات التي يتقدم بها الأجانب بشكل عام، وتشير الأرقام إلى أن معدل الطلبات يتجاوز 3 آلاف، منها ما تمت الموافقة عليها ومنها حالات لا تزال ترواح مكانها منذ الاستقلال بين الرفض وإعادة الطلب.

وقد تم تسجيل هذه الظاهرة الجديدة من قبل وزارة العدل، والأمر يتعلق بالعرب الذين دخلوا الجزائر في السنوات الأخيرة للعمل، كما تقدم بطلب الجنسية عدد كبير من الأفارقة بمن فيهم الماليون وحتى الصينيون.

قوانين صارمة مع مزدوجي الجنسية

ويسمح قانون الجنسية الجزائرية بتجنيس الأجانب بعد 3 سنوات من الزواج من جزائريات، إلا أن قانون الجنسية للعرب السوريين والفلسطينين تم تجميده عام 2015 بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية التي أرادت تقليص ظاهرة تجنس الفلسطينين بجنسيات أخرى.

ووفق هذا الإطار، تقدم حوالي 1530 أوروبيا اعتنقوا الإسلام بطلب للحصول على الجنسية الجزائرية، وحصل حوالي 2620 أجنبيا على الجنسية الجزائرية بين عامي 2000 و2007.

ويوضح الخبير الدستوري عامر رخيلة أن حالة المراسيم المتعلقة بالجنسية الجزائرية لم تستقر منذ الاستقلال، مضيفا لـ"سكاي نيوز عربية" : "قانون الجنسية لم يعرف استقرارا، وهو أقرب إلى التشدد".

ولا يمكن الحصول على الجنسية الجزائرية الأصلية إلا في حال المولد في الجزائر من جد جزائري، بينما تصدر الأحكام الخاصة بالجنسية المكتسبة بقرار من وزارة العدل، كما أن القوانين تعارض منح الجنسية عن طريق الاستثمار الاقتصادي.

ولم تعرف القوانين نوعا من الليونة إلا بحلول عام 2006، حيث تم تعديل قوانين الجنسية عدة مرات، وبدت الأمور أكثر تسامحا مع مزدوجي الجنسية بعدما ألزم عدد كبير من الجزائريين على التنازل عن جنسيتهم الثانية خاصة في الستينيات.

ورغم عدم صدور قانون يسمح بذلك، فإن البلاد تغض النظر عن مزدوجي الجنسية، ولا تستخدمها ورقة لرفض ملف المترشح، ولم تعد تطالبهم بالتخلي عن الجنسية الأصلية للحصول على الجنسية الجزائرية.

ونادرا ما يثار الجدل في هذا السياق، وقد تولت شخصيات جزائرية تحمل جنسية مزدوجة عدة مناصب سيادية، لكن زوبعة كبيرة ثارت مؤخرا عقب التعديل الحكومي الأخير الذي أجرته حكومة الوزير الأول عبد العزيز جراد، حيث اضطرت السلطة لإقالة الإعلامي سمير شعبانة بعد أقل من أسبوع على تعيينه وزيرا مكلفا بالجالية، وقد تعذر على الأخير التنازل عن الجنسية الفرنسية التي كان يحوز عليها.