استقى أجدادنا دينهم من مصادر محدودة، مطوع وقليل مما يسمعه من والديه ومن كبار السن من عائلته أو من (فريجه)، فكان تدينهم فطرياً، فالفطرة السليمة النقية كانت سيدة الموقف، الثوابت والقواعد الأساسية هي الزاد لهم ولا يقف أحد عند التفاصيل المختلف عليها، كما أن التنطع لم يكن متاحاً، لذلك تناقلنا قصصهم الطريفة الظريفة في تعاملهم الفطري مع العبادات بدون تعصب أو تشنج، ويشفع لهم دائماً ذلك التدين الفطري الصافي لله وحده بلا تباهٍ.

إحدى تلك القصص التي سمعناها أنه يحكى أن غاب إمام أحد المساجد الصغيرة في صلاة الفجر وكان مرتادوها من شيبان الفريج ولا يزيدون عن خمسة إلى عشرة أفراد يعرفون بعضهم بعضاً، فتبرع أحد الشباب المتحمسين للإمامة بدلاً منه واتخذ موضعه دون مشاورة أحد وبدأ الركعة الأولى بقراءة جزء من سورة البقرة!!

العادة جرت عند الشيبان حضور الصلاة أن يقرأ الإمام رفيق دربهم قراءة قصار السور المعروفة والمحفوظة من المجموعة حتى أنه لم يكن يحتاج لمن ينبهه أو يصحح له من الصفوف الأولى، أصلاً كانوا صفاً واحداً.

المهم أن الإمام المتحمس علق عند آية في سورة البقرة وقد أطال ولم يعرف كيف يكملها وظل المسكين يكررها ويكررها منتظراً أن يسعفه أي من المصلين، فما كان من أحدهم إلا التعليق بصوت منخفض «واشلك بالبحرو أهواله ورزق الله على السيف» طبعاً بطلت الصلاة لأن الشيبان ضحكوا.

وفي مسجد آخر غاب الإمام فتقدم أكبرهم سناً وكان كثير النسيان وأخطأ وهو يقرأ سورة تبت يدا أبي لهب وتب، فقال في عنقها حبل من مسد، فتنحنح أحدهم، فقال في رقبتها حبل من مسد، فتنحنح مرة أخرى من يقف خلفه، فظهر التململ على الإمام فقال على صدرها حبل من مسد فتنحنج، وحين ارتفع ضغط الشيبة عاد للصف الأول مفسحاً لغيره المكان قائلاً للذي يتنحنح وهو يكتم غيظه، خذ الحبل حطه مكان ما تريد.

وسيدة كبيرة يحاول ابنها تحفيظها قل يا أيها الكافرون وكانت تخطئ في كل مرة و تكرر الآيات ثم يوقفها ابنها ويعيدها عليها من جديد، حتى ملت فقالت وهي ضجرة في اثنين مو راضين على بعض و كل واحد ماله دخل بالثاني أنا واشدخلني.

آخر الروايات وهي حديثة وبطلتها سيدة كبيرة لا يفارقها مسباحها تحب أن تتفرج على الأفلام القديمة فثبت لها ابنها قناة روتانا كلاسيك على تلفازها، ومن المعروف أن هذه القناة كل يوم الساعه الحادية عشرة بعد انتهاء الفيلم تذيع أغنية لأم كلثوم.

هذه السيدة سمعها ثقل لكبر سنها فترفع صوت التلفزيون إلى أقصاه، وذات يوم يحكي الابن أنه كان عائداً للمنزل ليلاً وإذا بأم كلثوم صوتها واصل لآخر الشارع، فتوقع أن تكون والدته قد نامت ونسيت التلفزيون مفتوحاً، المفاجأة أنه دخل عليها وهي تسبح بمسباحها مغمضة العين باندماج شديد تهز جسدها للأمام والخلف كما يفعل الزهاد، فأغلق التلفزيون بسرعة وسألها كيف تستطيعين التسبيح دون تشويش من هذا الصوت المرتفع.فأجابت: أي والله شاغبتني كنت أسبح سبحان الله سبحان الله سبحوني، سبحان الله سبحان الله فكروني!!

هذه القصص كانت تروى دون تشنج و دون إدانة للراوي ودون اعتبارها استهزاء بالصلاة وبالقرآن الكريم، لأن شخوصها تصرفوا بفطرة نقية وراويها قالها بفطرة نقية ومتلقيها تلقاها بفطرة سليمة نقية.