تحتفل مملكة البحرين في الخميس الأول من شهر نوفمبر من كل عام بـ "اليوم الدولي لمكافحة كل أشكال العنف والتنمر في المدارس"، وهي مناسبة مهمة تؤكد فيها المملكة نجاح جهودها لضمان تحقيق أفضل رعاية اجتماعية ونفسية ممكنة للطلاب، وحمايتهم من كل أشكال الإساءة أو الإهمال أو التنمر.

وتولي وزارة التربية والتعليم اهتماما خاصا بهذه القضية والحد من مسبباتها، وذلك للآثار السلبية التي تترتب على ممارسات التنمر أو العنف داخل المدارس، وتشمل ضمن ما تشمل إعاقة المسار الدراسي للطلاب، وخفض مستواهم العلمي، فضلا عن المشكلات النفسية العديدة كالاكتئاب والانحرافات السلوكية وغيرها.



وفي مواجهة تداعيات مثل هذه الممارسات، عملت وزارة التربية والتعليم على أكثر من مستوى لمعالجة المشكلة، وحرصت على تقديم الرعاية النفسية والسلوكية والخدمات الاجتماعية ذات الجودة العالية لجميع الطلاب دون تمييز، ما يفسر محدودية المشكلة وعدم تجاوزها عدة حالات فردية.

وفي هذا الشأن، تبرز جهود الوزارة في منع اللجوء إلى أساليب العقاب البدني أو النفسي من قبيل الضرب أو العنف اللفظي بجميع أشكاله ضد الطلاب، وتفرض عقوبات إدارية وتربوية رادعة هدفها الوقاية والتأديب والعلاج وليس العقاب، بحق من يثبت تورطه في مثل هذه الممارسات المنبوذة، كلائحة الانضباط المدرسي والعقوبات المتدرجة بشأنها التي صدرت 1992 وعُدلت 2002 و2008.

ولا يأتي تصنيف المملكة ضمن الدول ذات الأداء العالي في التعليم من فراغ، وإنما من خلال ما حققته من إنجازات على هذا الصعيد، حيث يشار للدور الذي تقوم به الإدارات المدرسية والخدمات الطلابية، حيث تباشر إدارات الإرشاد الاجتماعي والنفسي أدوارها لمعالجة المشكلات النفسية والاضطرابات السلوكية لدى الطلاب، وبما يضمن تحقيق الردع داخل أبنية المدارس وفي أوساط مرتاديها.

كما عملت الوزارة على تنظيم محاضرات ودورات سلوكية وتدريبية استهدفت توعية الطلاب وأعضاء الهيئات الدراسية والإدارية والفنية بالمؤسسات المختلفة كالأندية وغيرها، فضلا عن أولياء الأمور والجمهور بصفة عامة، وذلك لتقديم الاستشارات النفسية المتخصصة، وتعديل السلوكيات المؤذية أو الضارة، وحماية الطلاب من كل أشكال الإساءة أو التهديد النفسي والمادي.

وكانت الوزارة قد دشنت قبل عدة سنوات عدة برامج تربوية لمكافحة المشكلة، ومن ذلك: استحداث مشروع المدرسة المعززة للمواطنة وحقوق الإنسان، وشاركت في عدد من المنتديات الإقليمية والدولية المهمة لدراسة تداعياتها كالمنتدى الوطني حول دور المؤسسة التربوية في مواجهة العنف والاعتداءات الذي نظمته (إيسيسكو) بالتعاون مع لجنة البحرين الوطنية للثقافة والعلوم في يونيو 2013، علاوة على البرنامج التدريبي "أسس كفالة حقوق الطفل في المدرسة وحمايته من العنف" يوليو 2013، ومنتدى "الوقاية من العنف المدرسي" 2015، وندوة "التعليم والتطرف والإرهاب" التي عقدها مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في يوليو 2017 بمشاركة بحرينية كبيرة، وغيرها، وأُشير فيها الى ضرورة وضع الاستراتيجيات التربوية المناسبة للحد من كل أشكال العنف داخل المدارس.

تجدر الإشارة إلى أن البحرين واجهت بكل قوة عدة ممارسات تعرض لها طلاب المدارس عام 2011، وذلك في أعقاب محاولات مستميتة للزج بهم في أحداث تخريبية وعنف حرمتهم من حقهم الأصيل في التعلم في بيئة آمنة، ونجحت عبر جهودها الدؤوبة سواء مع الطلاب أو أولياء الأمور أو أعضاء الهيئات الدراسية والإدارية وغيرهم في تدعيم قنوات التواصل معهم، ومن ثم المساهمة في الحد من المشكلة.

ولا يخف كذلك دور الوزارة في دعم وتشجيع الأنشطة اللاصفية لتوظيف طاقات الطلاب وأوقات فراغهم وتوجيهها التوجيه الأمثل بعيدا عن الإساءة أو رفض الآخر، فضلا عن مراجعة مفردات المناهج وتضمينها مفاهيم المواطنة والتسامح والحوار والتعايش السلمي وحقوق الإنسان ونبذ العنف، ما أسهم كثيرا في التأكيد على محدودية المشكلة في المملكة، والتي لا تتجاوز الحالات الفردية المعدودة.

وفي الإجمال، فإن هذه الجهود تأتي ضمن منظومة متكاملة من القوانين والإجراءات والبرامج التي تستهدف كفالة حقوق الأطفال عموما في المملكة، وذلك في ظل المسيرة التنموية الشاملة لجلالة الملك المفدى، حيث أسهم هذا المشروع ـ طوال عقدين من الزمان ـ في تحقيق العديد من المنجزات، تعليميا وصحيا، كخفض معدلات وفيات الأطفال، وتوفير مقعد دراسي لكل طالب، وتوفير الخدمات الصحية والعلاجية بالمجان، وغيرها.

وتصب هذه الجهود ضمن خطة شاملة للنهوض بشؤون الأطفال عموما، والطلاب منهم، حيث كرست هذه الجهود من إثارة الاهتمام بقضاياهم وحماية حقوقهم وتوفير الرعاية اللازمة لهم، ولا أدل على ذلك من امتداد حماية المظلة القانونية لتشمل الطفل حتى بلوغه الـ 18 عاما، وإنشاء مركز حكومي لحمايته منذ العام 2007 يتبع وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، وتدشين خط خاص وساخن للنجدة 998 لمساعدته ومساندته.

ويُنظر للمملكة باعتبارها إحدى الدول الرائدة في الاهتمام بالبنية التشريعية الخاصة بحقوق الأطفال والطلاب وتكاملها في مراحل السن المختلفة، إذ أصدرت عام 2012 قانونا خاصا بالطفل، وتلاه عام 2015 قانون الحماية من العنف الأسري للحد من حالات العنف التي تشمل أيا من أفراد الأسرة، ومنهم الأطفال، هذا فضلا عن الاستراتيجية الوطنية للطفولة 2013-2017، التي مددت لفترة تالية، بجانب تشكيل محاكم خاصة للأحداث وبما يراعي ظروف الأطفال والطلاب المعنفين أو الذين يتعرضون للتنمر أو غير ذلك من أشكال الإساءة أو التعرض للمهانة والازدراء، كما انضمت المملكة عام 1991 لاتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، وصدقت على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة عام 2011، وأطلقت عدة مؤسسات أهلية مبادرات خاصة ومشروعات توعوية شاملة للحد من المشكلة.

ولا تقتصر هذه الجهود في مكافحة التنمر على دور وزارة التربية والتعليم، إذ إن القوانين المدنية ـ كقانون العقوبات ـ تمنع هي الأخرى أي ممارسات مهينة قد يتعرض لها الأطفال والطلاب، ويقدم برنامج "معا" لمعالجة العنف والإدمان الذي يطبق سنويا منذ عقدين على الأقل ـ في أحد جوانبه ـ البرامج التربوية المناسبة لطلاب المدارس، وبما يستهدف الحد من المشكلات بين الطلاب وحل الخلافات فيما بينهم بعيدا عن التنمر.