الإنسان كائن اجتماعي منذ بدء الخليقة يميل إلى تكوين الجماعات مثل الأسرة والعشيرة والقبيلة ومن خلال هذه الجماعات تتكون علاقات اجتماعية مثل علاقة الزواج التي تعمل على استمرارية النوع البشري على وجه الأرض والصداقة وغيرها وهذه العلاقات الإنسانية التي تشبع ما لديه من كثير من الحاجات النفسية والاجتماعية، مثل الشعور بالأمن والانتماء وتأكيد الذات وغيرها لذا فإن العلاقات الإنسانية بمثابة صمام الأمان للصحة النفسية للإنسان فالعزلة لا تحقق له هذه الحاجات لذلك يقول المولى عز وجل: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» [الحجرات:13]، منذ أن وُجد الإنسان على سطح الأرض وهو يسعى لإقامة علاقات مع غيره من بني جنسه، ويتفاعل معهم، ويُحاول أن يتعرَّف على ما عندهم من أفكار، وأن يتفهَّمها، ويحاول أن يَنقل ما عنده من أفكار وآراء إليهم ويتبع شتى الوسائل والطرق لتحقيق ذلك التواصل والتفاهم، لذا فهي قديمة قِدَم البشريَّة، وإذا أراد المؤرِّخون تأصيلها فلا بدَّ لهم من أن يعودوا إلى بداية خلق الله للإنسان وتكاثر البشر على وجه الأرض؛ إذ إنه قد نشأ وزاد عدده ليكوِّن مجتمعاً ثم مجتمعات مُتعدِّدة بسبب التجمُّعات البشرية.

ولقد كرَّم الله سبحانه وتعالى الإنسان وميَّزه بما لم يُميِّز به غيره مِن مَخلوقاته، كما جاء في قوله تعالى: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ» [التين:4]، وقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» [الحجرات:13].

والعلاقات الإنسانية تهتم بشكل رئيسٍ بالتفاعلات التي تتمُّ بين الأفراد باعتبارهم بشراً لهم مشاعرُ وعواطف وقيَمٌ وحاجات نفسية واجتماعية، بمعنى أن هذه العلاقات تتمُّ بين أفراد يتمتعون بمستوى لا بأس به من الوعي والفهم والاتزان النفسي، وهو ما يدخل ضمن مفهوم الصحة النفسية، كما تُعتبَر العلاقات الاجتماعية من مصادر الصحة النفسية؛ وذلك لما تُقدمه من دعم اجتماعي ونفسي للفرد الذي-بدَوره- يُخفِّف من العناء؛ لتأثيره الفوري على نطاق الذات؛ بحيث يزيد من تقدير الذات والثقة بالنفس، وتُعتبَر هذه الأخيرة عنصراً مهماً في حياة الناس عامة وصحتهم النفسية فتحقيقها يُساعد الإنسانَ في مواجَهة مشاقِّ الحياة وصعوباتها، وفي الوصول للعيش الكريم، والحياة الهانئة السعيدة، ويساهم في تحقيق أهداف الحياة وغاياتها، بل إن أهمية الصحة النفسية بما تتضمنه من قبول الإنسان المسلم بما قسمه الله له تتجاوز ذلك بدورها في تحقيق الوصول إلى رضا الله عز وجل عنه وتحقيق رضوانه لقوله تعالى: «جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ» [البينة:8]، وإلى الفوز بجنته سبحانه وتعالى: «يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي» [الفجر:27- 30.



ولأهمية الصحة النفسية فقد ذهبَت الدول المتقدمة بعيداً في بذل الجهد والمال لتحقيق مستوى عالٍ مِن الصحَّة النفسية لأفرادها؛ ذلك إيماناً منها بدور هذه الأخيرة في توفير فرص أكبر لأفراد المجتمع لتحقيق الإنجاز الأفضل، والوصول إلى تقدم أكبر.