محرر الشؤون المحلية




- استقطاب العلماء والشعراء من الأمصار كوّن مزيجاً فريداً

أكد شعراء وأدباء أن الزبارة كانت محط رحال الشعراء في ظل سيادة الدولة الخليفية التي اهتمت بالعلوم والأدب والشعر.


وقالوا: «إن الدولة الخليفية حولت الزبارة لحاضنة علمية وأدبية جمعت العلماء من مختلف العلوم والشعراء من مختلف الأمصار وكونت مجزياً فريداً من التراث الشعري».

وأوضحوا أن الدولة الخليفية جعلت العلم والثقافة والمعرفة أسسا رئيسة لبناء النهضة بالزبارة بالتوازي مع العمران والتنمية، وهو ما حولها إلى مركز إشعاع للعلم والمعرفة في المنطقة يقوم على ثوابت وقيم التسامح والانفتاح الديني والمذهبي والفكري، مؤكدين أن الذائقة الأدبية والشعرية لدى الشيخ محمد بن خليفة الكبير كانت وراء الاهتمام بالشعراء وتعزيز البيئة الأدبية في الزبارة.

واستعرض الشعراء نماذج من الشعراء الذين ذاع صيتهم في الزبارة أمثال، الشاعر عبدالجليل الطبطبائي والشاعر لحدان بن صباح الكبيسي، اللذان كانا من أبرز الشعراء.

وأوضح الشاعر الشيخ عيسى بن خليفة آل خليفة أن الدولة الخليفية منذ القدم ركزت على الاهتمام بالعلم والثقافة والمعرفة لبناء النهضة، فقد استقطبت رجال الدين والمثقفين والشعراء والأدباء الذين قصدوا الزبارة في تلك الفترة التاريخية.

وقال: «إن كثيراً من العلماء والشعراء والأدباء قصدوا الزبارة واستوطنوها لما تتمتع به ولما عرف عنها من كونها بيئة عليمة حاضنة للعلم والعلماء والأدباء».

وأضاف أن النهضة الثقافية والعلمية والعمرانية التي شهدتها الزبارة في ظل سيادة الدولة الخليفية، جعلت منها مركز إشعاع للعلم والمعرفة في المنطقة وسارت بسيرها الركبان خاصة مع ارتكاز هذه النهضة على ثوابت وقيم التسامح والانفتاح الديني والمذهبي والفكري.

ويقول الشيخ عيسى بن خليفة آل خليفة: «إن اعتناء المؤسس الشيخ محمد بن خليفة الكبير الشخصي بالأدب والشعر كان أحد العوامل التي أثرت على الحركة الأدبية والثقافية والشعرية في الزبارة».

وأشار إلى ما حظي به قاصدو الزبارة من حفاوة وترحيب ودعم للعلماء والأدباء، متطرقاً إلى وقفية الشيخ خليفة بن محمد آل خليفة التي أوقف خلالها كتباً علمية على إحدى المدارس في الزبارة.

وبحسب الشيخ عيسى بن خليفة، فإن حكام الدولة الخليفية كانت لهم جهود بارزة في استقطاب العلماء والأدباء إلى الزبارة كما تعززت علاقاتهم بعلماء وأدباء المناطق المجاورة.

من جانبه، تطرق الكاتب والشاعر إبراهيم راشد الدوسري، إلى أن الدولة الخليفية دأبت على دعم العلم والعلماء والحث على المعرفة وكان للأدب والشعر مكانة مرموقة في الزبارة.

وقال: «إن قناعة الدولة الخليفية بأهمية التراث الشعري والأدبي والثقافي في تعزيز روح الوطنية والانتماء للدولة، كانت أحد أبرز الدوافع للاهتمام بالحركة الأدبية والشعرية، ولا ننسى أن الشعر كان له دور كبير في تلك الحقبة في بث روح الحماسة وتعزيز الكثير من المفاهيم وكان الجميع يتناقل الشواهد الشعرية كنوع من الثقافة الموروثة بين الأجيال».

وأضاف الدوسري أن اهتمام الشيخ محمد بن خليفة الكبير بالعلماء والمثقفين والشعراء، مثل نهجاً حكيماً وإدراكاً عميقاً بدور العلماء والأدباء الإيجابي في بناء وازدهار الأوطان، بما يقدمونه من ثراء فكري وحضاري ومعرفي يسجله التاريخ ليعبر عن أحداث ووقائع حدثت في منطقة معينة فهو يخلد للتاريخ توثيق من نوع من مختلف عن التوثيق التاريخي المعروف.

وتطرق الدوسري إلى الشاعر لحدان بن صباح الكبيسي، الذي كان من أبرز شعراء الإقليم والذي اشتهر بقصائده الوطنية والحماسية في تلك الحقبة التاريخية. إلى ذلك أكد الشاعر عبدالرحمن شاهين المضحكي أن وثائقي «الوطن» بين حقبة تاريخية ذات دلالات عميقة وسلط الضوء على حركة النهضة الثقافية التي شهدتها الزبارة في ظل سيادة الدولة الخليفية وتحولها لمقصد كثير من الشعراء والأدباء لما وجوده من دعم وترحيب وقال: «عرفت الزبارة لدى الشعراء بأنها المدينة المنشودة لمن يبحث عن حرية الفكر والثقافة والإبداع».

وقال إن «الزبارة كانت بمثابة التربة الخصبة التي وجد فيها الأدباء والعلماء الموئل الذي يمكن أن يسمح لهم بإنتاج فكري وثقافي ثري ويتمتع بحرية واسعة، ومن أبرز شعراء تلك الفترة عبدالجليل الطبطبائي وهو أحد أعلام الشعراء وله ديوان شعري مطبوع.

وأضاف أن من يقارن بين شعر عبدالجليل الطبطبائي وشعر معاصريه من الشعراء يجعله في الطليعه بينهم، لافتاً إلى أن الطبطبائي قدم من البصرة إلى الزبارة قبل عام 1217هـ ( 1802م) وهو في ريعان الشباب.

ونوه المضحكي بإحدى القصائد المشهورة للطبطبائي التي نظمها عن معشوقته الزبارة في سبتمبر عام 1802م، والتي قال فيها:

لك الله إني من فراق الحبائب

لفي لاعج بين الأضالع لاهب

هواي زباري ولست بكاتم

هواي ولا مصغ للاح وعاتب

واستعرض المضحكي طرفاً من سيرة عبدالجليل الطبطبائي وقال: «إن الطبطبائي ظل مستوطناً الزبارة حتى ارتحل عنها إلى جزر البحرين مع الذين قرروا الانتقال لجزر البحرين في تلك الفترة».

وعرج المضحكي على سيرة الشاعر لحدان بن صباح الكبيسي، وقال: «من أحد أشهر الشعراء الذين اشتهروا في تلك الفترة الشاعر النبطي الكبير لحدان بن صباح الكبيسي والذي تلمس في قصائده الحب والولاء والانتماء لحكام آل خليفة الكرام»، منوها بما قاله الأمير الراحل طيب الله ثراه الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة في حق هذا الشاعر في مقولته المشهورة «مات الشعر من مات لحدان».

وبين المضحكي أن جلّ قصائده كانت في مدح حكام البحرين الكرام، وله قصيدة في مدح المغفور له بإذن الله تعالى صاحب العظمة الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة يقول فيها مبيناً ولاءه:

تذكرت الزمان اللي وزاني

وعصرٍ فات ماني له بشاني

تذكرت الكرام الطيبين

هل المعروف مفنين السماني

الشاعر والإذاعي علي القطان أشار إلى أن الزبارة احتضنت نخبة من الشعراء الذين تركوا إرثاً حضارياً وهو ما اعتبره انعكاسا لحالة النهضة التي شهدتها واتسمت بها.

وقال: «إن الطفرة التي شهدتها الزبارة في ظل سيادة الدولة الخليفة نتلمس أثارها اليوم في موروث شعري وأدبي خرج على أيدي كبار الشعراء والأدباء في تلك الحقبة والذين وجدوا الدعم الكبير من الدولة الخليفية لإظهار نتاجهم الفكري خاصة باحتضان العلماء والأدباء والشعراء وعلماء الفلك وبقية العلوم الأخرى».

وأوضح أنه من المعروف أن العرب تهتم بنظم الأشعار سواء الفصيح أو النبطي، وهو ما يبين سبب اهتمام حكام آل خليفة بدعم الحركة الشعرية في شبه جزيرة قطر وفي الزبارة.

ودعا القطان إلى ضرورة الاعتناء بالإرث الشعري والأدبي الذي أنتج في تلك الحقبة التاريخية وضرورة تدوينه ليكون شاهداً على نهضة ثقافية تناقلها الأبناء عن الآباء.

وقال إن فيلم «الوطن» الوثائقي يوضح حقبة تاريخية مهمة للزبارة التي شهدت نهضة غير مسبوقة على المستوى العلمي والفكري والعمراني نتيجة الرؤية الاستراتييجية للدولة الخليفية التي استطاعت أن تجعل من الزبارة وجهة ومقصدا للعلماء والأدباء والشعراء من الإحساء ونجد والحجاز والزبير والبصرة وغيرها من الأمصار كونها المنارة العلمية في تلك الفترة.

الشعر يحكي

تاريخ الدولة الخليفية

من جانب آخر أوضح الشاعر لافي الظفيري أن الشعر يعبر عن أحاسيس صادقة تجيش في النفس وأن ما تركه الشعراء الذين استوطنوا الزبارة في ظل الدولة الخليفية هو حكاية تاريخية تبين ما شهدته الزبارة من طفرة عمرانية وعلمية وثقافية، ومن يتتبع ما صدر من نتاج أدبي من هؤلاء الشعراء يستطيع أن يرى انعكاسات تلك النهضة والحضارة في نتاجهم الشعري وعلى رأس هؤلاء الشعراء الذين خلدوا النهضة الحضارية الكبرى في الزبارة بقصائدهم الشاعر الشيخ محمد بن أحمد بن سلمان بن أحمد الفاتح.

وقال الظفيري: «إن ما تناوله فيلم الوطن الوثائقي من مرثية للشاعر لحدان بن صباح الكبيسي والتي رثى بها حاكم البلاد صاحب العظمة الشيخ عيسى بن علي آل خليفة عام 1932م، وامتدح فيها صاحب العظمة الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة هي انعكاس للعلاقة بين الحكام والثقافة في تلك الفترة، فاهتمام شاعر في وزن لحدان بن صباح الكبيسي برثاء ومدح الحاكم لم يكن من فراغ وإنما هو نتاج العلاقة بين حكام الدولة الخليفية والرعية في الزبارة».

وأضاف: «لا يخفى على متتبع الشعر لدى العرب أن الشعر أحد الأدوات الهامة للتعبير عن القضايا الوطنية أو تعزيز الانتماء أو الرثاء أو حتى وصف للحالة التاريخية».

وأكد أن الزبارة حظيت إبان الدولة الخليفية، بسمعة طيبة واسعة بين المدن والأمصار في تلك الفترة، وخاصة عندما انتشر مرض الطاعون في منطقة الزبير والبصرة بالعراق، وحينها نزح العديد من العلماء والتجار والمثقفين ومن كانت لديهم القدرة على الفرار، فكان اختيار نخبة منهم التوجه إلى الزبارة التي اشتهر عن حكامهم دعم العلم والعلماء خاصة وأن الزبارة أصحبت مدنية تجارية مستقرة. وقال الظفيري: «إن اتخاذ الشعراء والأدباء لمدينة الزبارة مستقراً لهم، يعد مؤشراً واضحاً يؤكد على أن الزبارة كانت تتسم ببيئة علمية واعدة وأنها كانت أيقونة المنطقة في تلك الفترة خاصة وأنها استقطبت العلماء والأدباء لما تتمتع به من حياة كريمة».

وبين الظفيري أن البيئة متى كانت مهيأة اجتماعياً واقتصادياً وتتميز بمناخ صالح للإنتاج الأدبي تكون جاذبة للشعراء والأدباء الذين دائما ما يبحثون عن بيئة بمواصفات معينة لإظهار نتاجهم الأدبي. وخير شاهد على ذلك الإنتاج الأدبي والعلمي الذي شهدته الزبارة في ظل سيادة الدولة الخليفية والاطلاع على بعض الأشعار التي تحكي عن الإنجازات أو الحركة العمرانية والعلمية في تلك الفترة يعكس مدى التطور الذي شهدته الزبارة.

واعتبر الظفيري أن من أسباب توهج الشعر النبطي في الزبارة في تلك الحقبة اعتناء صاحب العظمة الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة حاكم البحرين وتوابعها، بالأدباء والشعراء، فقد كان رحمه الله متذوقاً للشعر ولا شك أن اهتمام الحاكم ومعرفته لهذه الأمور يساعد في إثراء الحركة العلمية والشعرية.

وبين الظفيري أن الحركة العلمية والأدبية استمرت في مختلف عهود حكام الدولة الخليفية. كما سلط فيلم «الوطن» الوثائقي الضوء على جزء بسيط من هذه الحركة والنهضة العلمية.