لم أره منذ عشرين عاماً، لكنني أرى رسائله الإلكترونية عبر تطبيق «الواتس أب» خاصة في موضوع التهاني برمضان أو الأعياد أو التعازي، وهذا حالكم جميعكم يوم أمس حينما «انفجرت» هواتفكم برسائل التهنئة بحلول رمضان المبارك، وبالتأكيد تضمنت تهاني من أشخاص لم تروهم لعقود أو سنوات طويلة، ولربما أشخاص لا تعرفونهم أصلاً.

عموماً، رمضان كريم وأعانكم الله على صيامه وقيامه غفر لكم فيه، وهو يأتي للمرة الثانية في ظل جائحة كورونا، ووحدهم أقوياء الذاكرة سيتذكرون حال رمضان العام الماضي في ظل بدايات انتشار فيروس كورونا وكيف كانت الإجراءات بشأنه خاصة من إغلاق للمطاعم والخيم الرمضانية ومنع التجمعات المكتظة في المجالس وغيرها.

اليوم نبدأ شهراً فضيلاً آخر في ظل «كورونا»، ومعه توجد اشتراطات واحترازات جديدة، ليس فيها إغلاق للمرافق، بل فيها تشديد على الحرص بشأن توخي الإصابة والاختلاط، فالوضع الذي وصلنا إليه مع وجود مجموعات «مستهترة» قادنا لرؤية تسجيل إصابات تتجاوز الألف بشكل شبه يومي، ما يعني أن التطعيم بات ضرورة ملحة لمقاومة هذا الانتشار، إضافة لضرورة «عدم الانفلات الاجتماعي» في رمضان حتى لا تزيد الحالات.

لربما الأفضل في هذا الشهر الابتعاد عن مناقشة المواضيع المعقدة التي تتداخل مع مواضيع بدورها تثقل صدر المواطن وتدخله في تيه التعقيدات والتحليلات إن كانت معنية بالسياسة وأمور تبتعد عن الواقع الاجتماعي المعاش يومياً، بالتالي سنحاول في رمضان طرق أمور معنية بالممارسات الفضلى في هذا الشهر من ناحية اجتماعية وعملية وحتى إدارية مرتبطة بأعمالهم وسلوكياتهم اليومية.

ولأنه اليوم الأول فإنك بالضرورة ستجد حولك نماذج عديدة لـ «الممارسات الدرامية» لبعض الأشخاص، فيها تظهر تصرفات غريبة وغير اعتيادية، والحجة فيها «أنا صائم»، بما يوحي لك أن هذا الشخص يمر بمرحلة «تعذيب» وليس صياماً يتحصل من ورائه على الأجر والثواب.

بعض الناس تكتشف في رمضان أن أخلاقه «ماركة مضروبة»، لا أخلاق في معاملة الناس ولا «مزاج عدل»، والكارثة لو كان «مدخناً»، الهوس في العقل بأن نقص «النيكوتين» يحول بعضهم لـ «المارد الأخضر» و«ياويلك من سواد ليلك» لو تجرأت وكلمته.

هذه كأمثلة تتكرر كل عام، وتحصل بنسبة طاغية في أول الأيام، ناهيكم عن «سباقات الشوارع» التي تحصل حينما يحين وقت الفطور وبعض الناس لم يصلوا لبيوتهم، وهنا تراهم يسابقون الوقت وتتحول شوارعنا وكأنها حلبة سباق سيارات، وهنا خذوا الحوادث بين السيارات، أو حوادث الملاسنات بين الناس.

تريدون أمثلة أكثر؟! ستجدون ألف قصة وقصة لأشخاص كل حجتهم «أنا صائم».

رمضان شهر خير وفضائل، وهو فرصة للجميع باختبار قدراتهم على التحمل والسيطرة على السلوك البشري، وهنا ستجد أن بعض البشر بحجة الصيام يتحولون لوحوش لا يصدر عنهم إلا السلوك العنيف واللغة الثقيلة والمزاج المنفر، وهؤلاء ودك لو تقول لهم: «رجاءً لا تصوموا».