مع تغير السياسات التي تنتهجها إدارة جو بايدن تجاه دول منطقة الشرق الأوسط والرجوع لمربع الإدارة السابقة لباراك أوباما وجدت تركيا نفسها في ورطة أشبه بفوضى لا ترممها المنهجية التي قد فضلت دعم جماعة «الإخوان المسلمين» واحتضانهم وخلق الفوضى في عدد من الدول ومنها ليبيا وسوريا على أنظمة الدول العربية، مما جعل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يبحث عن قارب النجاة.

فهذا السرد السابق حقائق قد ذكرتها وسائل الإعلام والمجلات السياسية المتخصصة عبر منصاتها، ولم يجد الرئيس التركي نفسه غير القاهرة البوابة للنجاة من الورطة التي لحقت به بعدما تغيرت السياسات الأمريكية تجاه سياساته العدائية وخاصة بعدما أعلن الرئيس جو بايدن الاعتراف بحقوق الأرمن، وهذا جعل أنقرة تبيع كل شيء لإنقاذ نفسها.

فعملية عودة العلاقات الخليجية مع تركيا ليست بالأمر الصعب ولكن يحتاج الأمر لتقديم الكثير من التنازلات من قبل أنقرة للحصول على بطاقة العبور لضفاف الخليج، فبعد أن تم حلحلة الملف القطري واتفاق العلا أصبحت تلك العودة يمكن أن تكون ميسرة ولكن بشروط قد تجعل تركيا ستفكر كثيراً بتلك الخطوة، وعلى ما يبدو بأنها اتخذت القرار وبلا رجعة بأهمية التقارب مع دول المنطقة، فكان الاختبار الأساسي مع مصر، ومطالبها من رجب طيب أردوغان بأن يأخذ زمام الأمور للتحرك لطرد أفراد من جماعة الإخوان المسلمين، وبالفعل صدرت تلك الأوامر بإغلاق جميع القنوات «الإخوانية» من تركيا الموجهة ضد القاهرة، مع التزام تركيا بعدم التدخل في الشأن الليبي، وهذا الأمر أصبح موجوداً على أرض الواقع، غير أن الخطوة المتبقية قد تكون بعض المسائل الحدودية في البحر الأبيض المتوسط، غير أن مصر وتركيا أصبحت على مقربة من عقد قمة بين الجانبين والتي قد تسفر عن نتائج مهمة لاستقرار الشمال الأفريقي ودول الخليج العربي.

والملفت في هذا الصدد بأن تركيا ستعمل مع مصر في تعزيز التعاون المشترك وهذا سيعطي بوابة عبور لجعل التقارب مع دول الخليج العربي أكثر سهولة، مما يطرح تساؤل مهم، هل تضمن دول الخليج عدم التدخل التركي بشؤونها وخاصة بعد التصريحات العدائية التي أطلقها رجب طيب أردوغان تجاه المنطقة؟

ومن هنا وحسب عقيدة التفكير الاستراتيجي لدول الخليج العربي بالفصل ما بين المواقف السابقة والظروف الحالية التي تمر بها المنطقة، فأن دول الخليج ستقبل التقارب مع تركيا لأسباب عدة كونها ستكون مؤثرة في الفترة المقبلة، ومنها الاستفادة من النفوذ التركي في سوريا لمحاربة التدخل الإيراني، بالمقابل التعهد من أنقرة بعدم المساس بمنظومة الخليج بشتى الطرق، وهذا الأمر سيغلق الباب أمام الأفواه المحرضة من الخارج وفقدان الكثير من الدعم السابق لهم ومنهم «الإخوان المسلمين».

كما أن دول الخليج ستطالب تركيا بمعلومات استخباراتية مهمة لتحركات «الأخوان» مع جميع المتورطين معهم وذلك لكي تتخذ إجراءاتها الاستباقية لمحاربتهم أينما وجدوا، ولعل هذا الأمر هو الجانب المرعب لتلك الجماعة، ولدى تركيا معلومات إذا أفصح عنها قد تحول تلك الجماعة ليلهم نهار، فهي تحتفظ بحساباتهم وطرق تمويلهم وعملياتهم الخفية، وبالتالي على أردوغان بأن يقدم هذا الملف ليس للخليج فقط حتى لجمهورية مصر العربية.

خلاصة الموضوع، أن تركيا خسرت الكثير من حلفائها ولن تجد لها ملجأ بعد سوء التخطيط من قبل الرئيس رجب طيب أردوغان، والآن يدفع فاتورة هذه الأفعال، وسيبقى الواقع بأن تركيا ستحافظ على بعض الأوراق للتفاوض من أجل الحصول على أعلى مستوى من العلاقات مع دول المنطقة، وستحمل الأيام القادمة المزيد من التقارير والتسريبات التي ستكشف مستوى التقارب التركي الخليجي، وبالأخص الملف الأسود لجماعة الإخوان المسلمين.