على الرغم من مرور حوالي ثلاثة أسابيع على وفاة رائدة طب العيون بمملكة البحرين الدكتورة هيفاء أحمد محمود، إلا أن كلمات الحزن والأسى لازالت تودعها وترثيها في وسائل التواصل الاجتماعي لفقد ابنة البحرين الخبيرة في مجال العيون، فهي تركت أثراً كبيراً في قلوب الناس، كما تركت أثراً واضحاً في مجال الطب، فإنجازاتها الطبية كبيرة بما حققته في نجاح عمليات جراحية معقدة ونادراً أنقذت بها بصر العديد من المرضى، ولازال الناس يتداولون فيديوهات وكتابات في وسائل التواصل الاجتماعي لمرضى يحكون قصة إنقاذها لنور عيونهم بكفاءتها الطبية، والبعض يحكي عن إنسانيتها في علاج مرضاها الذين يتعذر عليهم دفع كلفة العلاج حيث تقدم لهم العلاج مجاناً محتسبة ذلك أجراً من الله. ولازالوا يذكرون لطفها وكرم أخلاقها وأسلوبها المميز في معاملة مرضاها حتى وصفها الكثير بأنها تعاملهم معاملة الأم لأبنائها وليس معاملة طبيبة.

والحقيقة أنني لم أستغرب ردود فعل الناس هذه التي تدل على محبتهم لها، وتقديرهم لإخلاصها في علاج المرضى، فالدكتورة هيفاء مؤمنة برسالة الطب فهي تعتبره عمل إنساني وليس مجرد وظيفة مرموقة تدر عليها الأموال، هذه هي قناعتها منذ طفولتها، فقد جمعتني والدكتورة هيفاء مقاعد الدراسة في المرحلة الإعدادية والثانوية، ولازلت أذكر أحاديثها عن أحلامها بأن تكون طبية تنقذ الناس وتشفي المرضى من آلامهم، فكانت تجتهد في الدراسة منذ صغرها لتتفوق وتحقق حلمها، فتفوقت دراسياً في المرحلة الثانوية. وتفوقت في كلية الطب، وواصلت اجتهادها لتحقيق رسالتها الإنسانية لتنال المزيد من الشهادات العلمية المتخصصة لتعالج الناس مثل زمالة التخصص الدقيق في المياه الزرقاء، وزرع القرنيات وتصحيح النظر، فحققت حلم الطفولة لتكون طبيبة ماهرة تساعد المرضى.

ولم يكن حلمها بأن تصبح طبيبة تعالج المرضى فقط، بل أن توفر فرص لمعالجة المرضى بشكل أوسع، فكانت تقول: لماذا يتكبد المرضى عناء العلاج خارج البحرين فينفقون الأموال، ويعانون مشقة السفر، فحلمها أن تؤسس مستشفى تستقطب فيه الأطباء المهرة من خارج البحرين، بدل من أن يسافر البحرينين لهم للعلاج، فتوفر على المريض كلفة السفر وعنائه، وفي الوقت نفسه يتدرب الأطباء البحرينيين على أيدي هؤلاء الأطباء، وحققت حلمها فأسست مستشفى الدكتورة هيفاء للعيون، لتستقطب فيه الكفاءات الطبية العالمية حتى أصبح أحد أبرز المستشفيات المتخصصة في العيون في البحرين والمنطقة، وكم نتمنى أن يسير أصحاب المستشفيات على هذا النهج ففي استقطاب الأطباء المهرة خدمة للناس وتنشيط للاقتصاد. رحم الله فقيدة البحرين الطبيبة والأم والمربية لمئات من الأطباء.